mercredi 9 février 2011

عالم الاجتماع المغربي المختار الهراس :" أصبح صعبا للغاية دراسة المحلي خارجا عن تأثيرات العولمة ".









نظمت كلية الآداب و العلوم الإنسانية بن طفيل بالقنيطرة ، يوم الخميس 28 أكتوبر 2010 ، انطلاقا من الساعة التاسعة والنصف صباحا ، الدرس الافتتاحي الجامعي الذي قام بإلقائه الدكتور الأستاذ المختار الهراس برسم السنة الجامعية 2010/2011  تحت عنوان " السوسيولوجيا بين المحلية و العالمية " .
        قبل تقديم هذه المحاضرة عبر الأستاذ عبد الله محسن منسق مسلك علم الاجتماع بالكلية ، عن اعتزاز شعبة علم الاجتماع بأطرها و طلابها باستضافة الأستاذ الهراس شاكرين له مشاركته هاته ، و أضاف الأستاذ محسن ،أن مسلك علم الاجتماع بكلية بن طفيل  منذ بدايته دأب على تنظيم دروس افتتاحية تتوخى خلق دينامية معرفية ، و توسيع آفاق التفكير بين الطلبة و الأساتذة و جميع الفاعلين المهتمين بهذا الميدان العلمي ، و باعتبار الوزن الكبير الذي يتميز به الأستاذ المختار الهراس بالمغرب ، استهدفنا النظر السوسيولوجي في  قضية "  الخصوصية و الشمولية " باعتباره موضوعا يستفز التفكير  و البحث المعرفي   ، و في هذا الإطار  نشكر السيد العميد على توفيره شروط تنظيم هذا النشاط علاوة على النشاطات الأخرى التي نظمت سابقا  باسم المسلك  و هذا  شيء يشرف الجميع .


     لم تكن محاضرة الأستاذ الهراس لتتعدى الساعة ونصف الساعة لولا حساسية الموضوع و الثقل الذي يكتنفه ، فالموضوع المطروح  "لازال يشغل تفكيري" -يقول الأستاذ الهراس- ، فالعولمة هي سيرورة تاريخية جارية الآن و فاعلة في مجتمعنا و في ثقافتنا على جميع الأصعدة ، وهذه العولمة الجارية لها تأثيرات متعددة على مقاربتنا السوسيولوجية ، و على المناهج التي نسعى إلى تبنيها و إلى توظيفها في دراسة مجتمعنا . وقد طرح الهراس في بحثه هذا مجموعة من النظريات التي تناولت العولمة و تأثيراتها على المجتمعات و الثقافات في مختلف دول العالم،  فالعولمة  - يضيف- ،و في إطار البحث السوسيولوجي، نجد أنها طرحت منذ بداية القرن العشرين  وذلك من خلال نظرية فلادمير لينين "نظرية الإمبريالية" ، التي اعتبرها لنين  أنذاك المرحلة الأقصى في تطور الرأسمالية، هذه الرأسمالية التي تحولت في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، لإمبريالية اتجهت إلى البحث عن أيدي عاملة ومواد أولية رخيصة في إفريقيا و آسيا و أمريكا الاتينية ، و اتجهت إلى فتح أسواق جديدة لفائض إنتاجاتها ، و نتيجة لذلك بدأ يتعمق انقسام العالم إلى أغنياء و فقراء ، و الأداة التي استعملت أنذاك من لدن هذه القوة الإمبريالية هي أداة عسكرية استعمارية بالأساس ، إذ أن العولمة كانت تستعمل الأداة العسكرية كأداة لبسط نفوذها و سيطرتها على العالم، في السابق  ، في حين أنه الآن نجد أن العولمة تستعمل بالأساس أدوات اقتصادية أساسية .
      بعد نظرية لنين ظهرت نظريات أخرى من أهمها "نظرية التبعية " ، و من بين الأوائل الذين تحدثوا في هذا الإطار الباحث الأمريكي اللاتيني <span>بول تريبسشي</span> الذي طرح شكلين من المجتمعات ، الشكل الأول و هو المركز الذي اعتبره بول صناعيا ، بمقابل المحيط الذي اعتبره فلاحيا في أغلب الحالات ، و في نفس إطار هذه النظرية  أي" نظرية التبعية" كانت فيها تيارات مختلفة، حيث  نجد  العمل الذي قام به السوسيولوجي الألماني أندري فرانك  في كتابه " نمو التخلف "  ، و الذي اعتبر فيه على أن العالم هو مجموعة من العلاقات المتراتبة  و الموحدة، و شلال من علاقات السيطرة تنحدر من عدم المراكز الرأسمالية إلى العواصم  ثم إلى  المدن الإقليمية ثم إلى محيطاتها القارية ،معناه هناك تدرج من العلاقات التراتبية، و كل هذا يخضع لسيطرة المراكز الرأسمالية بالدول المتقدمة.
     في إطار نفس النظرية السابقة ، طرح الأستاذ الهراس تصور آخر للتبعية ، للسوسيولوجي البرازيلي فرناندو كاردوسو ، وهو تصور أسماه "بالنمو التبعي" ، بمعنى أن التبعية  لا تؤدي إلى التخلف ، بل قد تؤدي إلى التنمية ، و يعطي  كاردوسو أدلة على ذلك كوضع  كوريا الجنوبية ، سنغافورة، البرازيل،المكسيك ...يقول كاردوسو  بأن هذه المجتمعات  هي مجتمعات تابعة للمراكز الرأسمالية ،الدول المتقدمة، و لكن هذه التبعية تكون فيها نتائج غير مقصودة  ،هذه النتائج غير المقصودة تؤدي إلى تنمية هذه البلدان رغم تبعيتها ، فالتبعية بالنسبة له لا تؤدي إلى التخلف .
     ثم نجد باحث آخر في نفس الإطار و هو السوسيولوجي الأمريكي ايمانويل والرستاين الذي  طرح نظرية النسق العالمي ، فإمنويل  اعتبر على أن الإنسانية مرت من ثلاثة أنساق رئيسية ،  مرت من أنساق ما يسميها بالأنساق الصغرى  ثم إلى إمبراطوريات عالمية  مثل إمبراطورية روما مثلا  أو الإمبراطورية الفارسية ، ثم ثالثا انتقل العالم إلى ما يسميه بالاقتصاد العالمي . بمعنى أن العالم  اتجه من مجتمعات أنساق صغيرة أي من مجتمعات كانت تعيش على الصيد و القطف و القنص ...إلى إمبراطوريات كبرى  ولكن ليست عالمية ، بعد ذلك إلى اقتصاد أصبح أشمل و يغطى العالم أجمع ، و يضيف والرستاين  بأنه منذ القرن السادس عشر بدأ يتشكل  هذا الاقتصاد العالمي، و اعتبر أن هنالك مجتمعات مركزية و مجتمعات محيطية و مجتمعات شبه محيطية.
      يتم الحديث أيضا  عن المجتمع الشبكة أو عن النسق العالمي ، و هناك السوسيولوجي الإنجليزي أنتوني غدنز الذي  يتحدث عن عالم بدون الآخر أي كلنا نحن ، لم يعد هناك الآخر .
و علاوة على ذلك نجد  سوسيولوجي آخر وهو الألماني إيلريك بيك  (Ulrich Beck) يتحدث عن الخطر العالمي ، بمعنى أن المجتمعات المعاصرة أصبحت مجتمعات مهددة و معرضة لمخاطر متعددة بأمراض بكوارث مناخية و بأشياء كثيرة و السبب في ذلك هو الإنسان ، أي أن  الإنسان بالتحديث الذي قام به خلق شروط و عوامل تمثل تهديدا بالنسبة لسلامته و بالنسبة لبقائه على وجه الأرض .


      بعد هذا التقديم  النظري  للأستاذ الهراس و الذي لا شك  أنه أضفى شيئا ما الوضوح على مكانة و وضع المجتمعات و الثقافات المختلفة في ظل العولمة  ، فالعولمة كما - نعرفها يقول الهراس - تكتسي  تعبيرات مختلفة ، فعندما  نقرأ الأدبيات السوسيولوجية نجد أن المختصين يتحدثون عن القرية العالمية ،و يتحدثون عن اللغة العالمية و يقصدون بذلك اللغة الإنجليزية ،و يتحدثون عن المجتمع المعلوماتي ، عن التاريخ العالمي ، معنى ذلك أنه  لم يعد من الممكن فهم تاريخ مجتمع معين بعزله عن سياقه العالمي بل أصبح أخد هذا السياق العالمي بعين الاعتبار ضروريا لفهم تاريخ كل مجتمع على حدا .
إذن ما هي العوامل التي أدت إلى نشأت و تطور العولمة  ؟- يتساءل الأستاذ الهراس-
        من أهم العوامل التي ساعدت على ظهور العولمة ، انهيار المعسكر الشيوعي في بداية التسعينات ، فالعولمة هي نتاج لهذا الانهيار لأن الاتحاد السوفيتي لم يتمكن من الصمود أمام الصيرورة الجارفة للعولمة أضف إلى ذلك الدور الذي تقوم به الشركات المتعددة الجنسيات التي تشتغل على الصعيد العالمي و ليس في نطاق حدود  وطنية ، علاوة على ذلك، هناك نمو لآليات حكومية و منظمات غير حكومية دولية و جهوية مثلا ظهور الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوروبي و عدد كبير من المنظمات الدولية، أ يضا تدفق المعلومات على الصعيد العالمي عبر الإنترنيت و عبر الأقمار الاصطناعية و التلفزيون و ،إذن كل هذا عجل  ببزوغ  العولمة . و نتيجة لكل هذا سار الأفراد يعون الروابط التي تجمع بينهم و ساروا يعتمدون أكثر إلى الانشغال بالقضايا  العالمية  أكثر مما كان عليه الأمر سابقا  ، ساروا يعون بأن المسؤولية الاجتماعية لم تعد تقف عند الحدود الوطنية بل تتعدى ذلك إلى مستوى الدولي ، نحن نحس بالمسؤولية اتجاه الكوارث الطبيعية التي تحدث في أي بلد من العالم و كل دول العالم يتضامنون مع بعضهم البعض  لأن هناك حساسية اتجاه ما يحدث خارج حدود الوطن، الإيمان بأن على المجتمع الدولي التدخل في أوضاع الأزمة لحماية حقوق الإنسان ، سارت الدول تتدخل في أوضاع دول أخرى لحماية هذه الحقوق ، وجدير بالملاحظة أن العولمة لا تمس فقط الاقتصاد بل أيضا السياسة و الثقافة و الحياة الخاصة ، و سارت هذه العولمة تكسر الحدود بين الداخل و الخارج بين "العالمي" و" المحلي".  العولمة نعيشها حاليا لا يمكن القول بأنها ذات اتجاه واحد، بمعنى أنها  تتجه من الدول الغربية إلى الدول الأخرى في القارات الثلاث أمريكا اللاتينية و إفريقيا و آسيا ، بل أن هذه الدول أيضا تؤثر عبر القنوات الفضائية ترسل رسائل و تؤثر كذلك في دول الشمال ، معناه أن العولمة حاليا ليست ذات اتجاه واحد ، رغم أن الهيمنة مازالت على صعيد الدول الغربية.
    وإذا أردنا أن نعطي تعريف للعولمة ، يمكن أن نقول بأنها صيرورة أو مجموعة من الصيرورات ثقافية اجتماعية اقتصادية ، سياسية .....تفرز تحولا في التنظيم المجالي للتحولات الاجتماعية ، معنى ذلك  أن المجال لم يبقى مجالا وطنيا و لا جهويا  و لا محليا ، بل أصبح مجالا عالميا ، و تؤدي هذه العولمة إلى خلق موجات و شبكات عابرة للقارات و موجات من النشاط و التفاعل و ممارسة السلطة ، إذن عبر هذه العولمة هناك قوى تمارس السلطة على مجتمعات أخرى وهناك مجتمعات تقاوم هذه السلطة ، و هناك أشكال مختلفة من التفاعل في سياق هذه العولمة.
      العولمة تتميز بتوسع امتداها ،  هذا الامتداد يتسع أكثر فأكثر على الصعيد الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي وهو يتم عبر أنشطة عابرة للقارات بحيث أن  القرارات و النشاطات التي تتم في منطقة معينة من العالم يكون لها صدى و معنى بالنسبة لأفراد و جماعات يعيشون في مناطق بعيدة من العالم، أي حدث يحدث في منطقة من العالم إلا و يؤول و يعطى له معنى في جميع بقاع العالم ، هكذا أصبحنا نعيش- يقول الهراس - ، إضافة إلى ذلك  فالاتصالات عبر الحدود ليست عرضية أو اعتباطية، بل مقننة ، و متزايدة في القوة و الكثافة ، و مع تطور وسائل الاتصال  و المواصلات نلاحظ أن هذه التفاعلات بين مختلف المجتمعات و هذه الصيرورات الجارية تتصارع .
    علاوة على ذلك فالتداخل بين "المحلي" و "العالمي" يتعمق أكثر ، حيث أن الباحث الألماني  كإيلريك  بيك  يقول أنه يجب أن نتحدث عن ما يسميه هو  ب "النزعة العالمية "، و يقصد بهذه الأخيرة - يضيف الهراس - سيطرة السوق الدولية على المجال السياسي ، بمعنى  أنه و في طور الحداثة كانت السياسة منفصلة عن الاقتصاد ، لكن في الطور الذي نعيشه و الذي يمثل بالنسبة لإيلريك  بيك (Ulrich Beck)  ما يسميه ب "الحداثة الثانية"  ،  فأصبحت السوق الاقتصادية الدولية  هي التي تتحكم في السياسة ، و وضعت السياسة و الثقافة و البيئة و المجتمع المدني تحت سيطرة الاقتصاد ، بمعنى أصبح الاقتصاد هو المسيطر على كل شيء ،هذه هي المقاربة و النظرة التي تنبني عليها ما سمي ب "الليبرالية الجديدة " .
و قد تطرق إيلريك بيك أيضا لمفهوم  "العالمية "، و يقصد بها العيش في "مجتمع عالمي " ، أي أن  الحديث عن العيش في مجالات منغلقة  أصبح وهما من الأوهام ، فلا حق لأحد الآن أن يتحدث عن العيش في مجتمع وطني منغلق لا علاقة له بهذا السياق العالمي ، ليس هنا بلد و ليست هناك جماعة يمكن أن تنغلق على نفسها في وجه الآخرين ،هذا ما آل إليه عالم الاجتماع المعاصر إيلريك بيك  - يضيف الهراس- .
       يتعمق السوسيولوجي إيلريك  أكثر ليتحدث لنا عن العولمة التي تشير في نظره إلى الصيرورات التي يتم عبرها تقليص سلطة الدول الوطنية من طرف فاعلين دوليين حاملين لأشكال مختلفة من السلطات و التوجهات و الشبكات هذا هو التعريف الذي يعطيه للعولمة ، إذن العولمة هي صيرورة تتضمن صراعا و تناقضا داخليا بينها و بين العوامل الوطنية من جهة أخرى ، الصراع بين "العالمي" من جهة  و" المحلي" من جهة أخرى . على أن العالمية يضيف بيك لا يمكن أن ترجع إلى الوراء ، معناه أن هذه الصيرورة التي نعيشها فهي  صيرورة غير قابلة للرجوع إلى الوراء .
     يعطي إيلريك - يقول الهراس- خمس مبررات لعدم رجوع صيرورة العولمة إلى الوراء ، أولا  التوسع الجغرافي و الكثافة المتنامية للتجارة الدولية و التشابك العالمي للأسواق العالمي وتعاظم سلطة الشركات المتعددة الجنسيات .
     ثانيا الثورة المتواصلة في ميدان الإعلاميات و المواصلات، هذه الثورة تعمق أكثر فأكثر ربط المجتمعات بعضها ببعض  فكيف يمكن إذن الحديث عن الرجوع إلى الوراء ؟
ثالثا المطالب العالمية في ميدان حقوق الإنسان و الديموقراطية التي أصبحت مطلبا عالميا  و الدفاع عن حقوق الإنسان فأي بلد ألحق ضررا بحقوق الأنسان فإن عليه تحمل ليس  فقط  ردود أفعال  داخلية، بل أيضا  ردود أفعال على الصعيد العالمي ، و هذا يزداد وثوقا و يزداد رسوخا ، رابعا هناك تدفق يومي لموجات متعددة من الصور التي تنتجها الصناعات الثقافية العالمية وهذا سيزداد تعمقا و تشعبا وتنوعا  . خامسا سلطة الفاعلين السياسيين الدوليين  تزداد تأكدا كسلطة الأمم المتحدة  و سلطة المنظمات غير الحكومية ، إضافة إلى ذلك هناك  موضوع البيئة الذي أصبح موضوعا عالميا فالتلوث يحدث في مناطق متفرقة من العالم  و مناطق أخرى تؤدي ثمن هذا الثلوث ،  إذا أصبحنا في حدودا عالمية لا توجد حدود وطنية ، الصراع الثقافي داخل نفس المجتمعات و في نفس المكان ، فمثلا ظاهرة الهجرة في المجتمعات الأوروبية ، هناك صراع ثقافي في هذه المجتمعات و هذه الصراعات  بفعل الهجرة لا يمكن أن تحل إلا على الصعيد العالمي و بتعاون مع الدول و المجتمعات التي انطلق منها هؤلاء المهاجرون.
    لهذه الأسباب فالعولمة الجارية حاليا غير قابلة للرجوع إلى الوراء ، من الآن فصاعدا يمكن القول بأنه لا شيء يحدث في كوكب الأرض حدث  محلي ، و يؤكد الأستاذ الهراس على أنه  ليس هناك حدث محلي صرف ، كل الاختراعات و الانتصارات و الكوارث تمس العالم كله لدى يتعين علينا إعادة توجيه و تنظيم حياتنا و أفعالنا و تنظيماتنا و مؤسساتنا حول محور محلي عالمي .
  العولمة أتت بأشياء جديدة بالإضافة إلى ما سبق ، هناك حضور  لتفاعل الحدود الوطنية بعضها ببعض ، و هذا معطى  جديد لأنه هناك من يقول بأن هذه العولمة هي عولمة تقتصر على بعض المجتمعات و على بعض الدول و أن دول أخرى مقصية منها، فهذا الطرح  يؤكد الهراس بأنه  طرح غير صحيح  .
    و يؤكد الهراس بأن العولمة محت كل ما يمكن أن نطلق عليه اسم  مكان  ، لم يعد هناك مكان محدد للجماعة،اليوم عن طريق الإنترنيت هناك جماعات مختلفة تتكون من أفراد من مختلف دول العالم ، إذا أين هو المكان الذي يمكن أن تقيم فيه هذه المجموعة أو تلك ؟ يتساءل الهراس . إننا نتجه أكثر فأكثر إلى جماعات حاضرة في اللامكان ، العمل كذلك هو عمل أصبح في الامكان بفعل بروز مراكز الاتصال .
   الرأسمال أصبح في  اللامكان أيضا   ، حيث و في وقت وجيز يمكن أن ينتقل الملايين من بلد إلى آخر ، و أضحى الرأسمال بذلك مكانا متحركا .
    علاوة على ذلك ، أصبح هناك وعي و إدراك بضرورة وجود الآخر(الأمريكي أو الفرنسي ..) في حياتنا الخاصة  إما عن طريق الأفكار و القيم أو عن طريق المنتوجات ، أيضا  الانتشار الواسع للصناعة الثقافية العالمية من موسيقى أفلام ...صارت كل هذه الأشياء تؤثر فينا .
 غير أن هناك العديد من الأسئلة :
   ما تأثير العولمة على سلوك الشباب داخل الأسرة ؟ هل بإمكان البنيات التقليدية مقاومة العولمة ؟
هل مازال ممكنا دراسة المحلي باعتباره محلي خالص نقي لا تأثير خارجي فيه ؟
أصبح خطر العولمة الآن يتمثل في تقليص الأعراف و يساعد على تفكك البنيات التقليدية الأسرية حيث ظهرت الأسرة النووية ، و بذلك  تراجع دور الأسرة الممتدة  التي كانت في السابق قائمة و فاعلة ، و متدخلة في  احتواء المشاكل الناتجة عن الزوجين ، أما الآن لم يعد هذا  الدعم  موجودا بل صارت الأسرة بفعل انفصال الزوجين عن الأسرة الموسعة تعيش خطر  اللاستقرار و عدم الاستمرار  هذا على الرغم من وجود استقلال ذاتي أكثر ، و حرية و ديموقراطية أكثر لدى الأسرة النووية.  إضافة إلى ذلك فالعولمة لا تقوي التجانس بين الأفراد بل تؤدي إلى تعميق الفوارق و اللامساواة و تؤدي إلى خلق أشكال مختلفة من الحيف الاجتماعي . إلى درجة أن هذه العولمة صارت تدخل  و تصدر ثقافة هجينة  إلى المجتمعات الأخرى-  يضيف الهراس-. هل نحن أمام ثقافة كونية و امبريالية ثقافية ، أم  أن العولمة تؤدي إلى تمايز التقاليد و الأشكال الثقافية ؟ أي ثقافة محلية مازال بإمكان الباحث السوسيولوجي أن يدرس ، هل الثقافة الخصوصية أم الثقافة المعولمة ، أم الثقافة الهجينة المقتبسة من مصادر مختلفة ؟ -يتساءل الهراس-.
    إن الاهتمام بالمحلي ظهر في الثمانينات من القرن الماضي كرد فعل على العولمة و قد تميز ذلك بثلاث خاصيات أساسية و هي :
   أولا : توحيد جهود المحلي لمقاومة العولمة .
  ثانيا : الاهتمام بالمحلي كمصدر للخصوصيات و الاختلافات .
  ثالثا : الاهتمام بالمحلي كخزان للمعنى بالنسبة للأفراد و الجماعات .
   فالمحلي من كل هذا لديه معنى أولي وهو معنى تقليدي و يتمثل في مكان إقامة الجماعة ، وهناك المعنى الثانوي و يتمثل في المنتوجات المحلية التي يتم تسويقها عبر العالم ....علاوة على ذلك هناك المحلي الافتراضي الموجود في الشبكة الافتراضية . و يتساءل الهراس في هذا الإطار : هل يمكن معرفة العناصر المعولمة خارج نطاق علاقاتها بالمحلي ؟ و يجيب كثير من السوسيولوجيين بأنه ليس هناك عنصر معولم بدون مجهود محلي ، فالمعولم يتجلى في المحلي و لا يوجد حاليا عنصر ثقافي محلي لا يتأثر بهذا المعولم .
     الدراسة السوسيولوجية ستكون ناقصة إذا لم تستهدف نقطة مهمة في العلوم الإنسانية ، و خاصة في السوسيولوجيا ، وهي مسألة  التنبؤ ، أو استشراف المستقبل، وهذا ما طرحه الأستاذ الهراس في درسه السوسيولوجي هذا، حيث أنه  قدم  أربع احتمالات ممكنة في تعامل المحلي مع هذه العولمة :
<span>السيناريو الأول :</span> هو سيناريو التوحيد الشمولي أو التوحيد العالمي بمعنى أن هذه الثقافة الغربية ستسيطر على كل ثقافات العالم ، و أن العالم أجمع سيصير نسخة طبق الأصل للمجتمع الغربي و للثقافة الغربية و لنمط العيش الغربي ، بحيث سنجد كل المجتمعات لها نفس الأفكار و المعتقدات و تستهلك نفس المنتوجات و نفس المسرحيات و الصحف ...التي يستهلكها الغرب و هذا السيناريو يقول الهراس بأنه سيناريو بئيس ،
<span>السيناريو الثاني :</span> و في هذا السيناريو ستظل المجتمعات غير الغربية تستهلك الثقافة الغربية حتى تصل إلى درجة الإشباع ، بيد أن الاختلاف بين السيناريو الأول و الثاني هو أن الإستهلاك  في هذا السيناريو  هو استهلاك بطيء و تدريجي و سيكون  طويلا عبر الزمن ، و بعد تلاحق الأجيال ستصبح المعاني و الثقافة المحلية للمجتمعات الثالثية متلاشية و منعدمة .
<span>السيناريو الثالث :</span> وهو سيناريو تشويه محيط الثقافة الغربية ، بمعنى أنه سنتبنى ما هو رديء في الثقافة الغربية و الأشياء المهمة التي سنقوم باقتباسها من الغرب سنقوم بتشويهها ،القيم المثلى للغرب ستتعرض للتشويه عندما تنتقل إلى المجتمعات الأخرى لسببين هامين و هما : أن  المجتمعات الغربية ستحرص أكثر إلى تصدير ما هو رديء لديها لهذا ستصبح لدينا ثقافة معولمة رديئة و غير ذات جدوى ، و السبب الثاني هو أن الطرف المستقبل غير مستعد لمعرفة ما هو مهم و ما هو أقل أهمية .
<span>السيناريو الرابع :</span> هو سيناريو النضج إذ أن هذا السيناريو ينبني على حوار و تبادل متساو بين العالم الثالث و الغرب و لن تنتقل بشكل أعمى النماذج الثقافية الغربية السلبية  بل سنستقبل الثقافة النافعة و المهمة ، بمعنى يقول الهراس ، سنقوم بفحص الأشياء و تمحيصها بطريقة انتقائية  قبل اقتباسها و تبنيها ، بعد ذلك سنعالجها و سنعمل على  إغنائها  ، ثم سنقوم بإرجاعها إلى المجتمعات الغربية في إطار التبادل ، في هذا السيناريو كذلك سيتم تحفيز الثقافة المحلية على الحفاظ على اختلافها و خصوصيتها ، العولمة في هذا السيناريو ستمنحنا الفرصة للحفاظ على ثقافتنا و ما هو خصوصي لدينا بمعنى أكثر توضيحا ، لن تكون هناك عولمة تدميرية و إنما عولمة تحفز على الاختلاف و التسامح ، و في النهاية سنتوفر على مجتمعات ذات أصول ذات ثقافات متعددة و مختلفة ، ثقافة كل مجتمع ستكون خليط بين ثقافات متعددة ، يقول " بدل أن تسيطر ثقافة الغرب على الثقافات الأخرى سنجد صيرورة من حوار الثقافات بين المجتمعات حوار بين ما هو معولم و ما هو محلي " .
     وقد دافع بشدة الأستاذ الهراس عن الثقافة المغربية  و العربية متمثلة في ذلك  باللغة ، حيث أكد على أنه إذا احتقرنا لغتنا و لغة أجدادنا و القيم المحلية ، مما لاشك فيه نحن في طريق الهاوية ، 300 مليون شخص يتحدث اللغة العربية في العالم و أعداد المتكلمين بها يتزايد عالميا ، يجب إذن تقوية لغتنا و تحسين المجال البيذاغوجي لتطويرها و الاهتمام بها ، فالغير سيحترمنا أكيد إذا أعطينا قيمة عليا للغتنا و قيمنا الثقافية .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire