samedi 20 novembre 2010

" عبد الله العروي : " لا بد من إجراء استئناف للدولة المتأزمة سياسيا


عملت كلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط (باب الرواح) بمدرج الشريف الإدريسي  يوم  الجمعة 5 يونيو 2010 انطلاقا من الساعة الخامسة مساءا بتنظيم لقاء مع المفكر المغربي عبد الله العروي في إطار ترجمته لكتاب " تأملات في تاريخ الرومان" لكاتبه الفرنسي مونتسكيو.
         ترجمة كتاب مونتسكيو لم يكن اعتباطيا،و لا يتعلق بنبش الأحداث الماضية ،  بل مرتبط بكون هذا  المفكر الفرنسي  من رواد علم السياسة ، بل يعتبر المؤسس الأول لعلم السياسة- يقول العروي-
    بداية وقبل الدخول في توضيح أسباب و ظروف الترجمة عرض عبد الله العروي ملاحظتين هامتين من المهم أخذهما بعين الاعتبار:
فمن جهة المسألة الأولى  تتعلق بالتأريخ بالمعنى الدقيق ،أي اختيار نقطة ابتداء لكل تاريخ معين ‘ فكما في أدبيات اليونيسكو التي نتطرق فيها للتاريخ انطلاقا من نقطة بداية الميلاد فنقول قبل أو بعد الميلاد، بحيث يعتقد العروي  أن هذا يطرح عدة مشاكل لا حد لها لأن الكيفية التي نفهم بها هذا التاريخ يتحكم في الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا لفهم ذلك التاريخ .فالتأريخ أو نقطة البداية هي التي تتحكم في  مفهوم التاريخ . لذلك نجد أن مونتسكيو في كتابه هذا لم يتطرق لأي رقم لتاريخ محدد ، فالمهم عند مونتسكيو إذن  هو تتبع الحوادث في بداية روما و النظام الملكي إلى غاية بداية القرن الخامس بظهور النظام الجمهوري أو القنصلي إلى نهاية القرن الثامن بظهور النظام الأميري ثم بعد ذلك النظام الإمبراطوري إلى غاية القرن الحادي عشر، ومن جهة أخرى فالمسألة تتعلق بذهنية مونتسكيو على اعتبار أنه اهتم بالتفكير في ما آلت  إليه حالة فرنسا بعد ما يفوق أكثر من نصف قرن من حكم لويس الرابع عشر.
        وينتقد  مونتسكيو  حكم لويس الرابع عشر الذي انتهى في سنة 1715 في أربع نقاط كانت السبب الرئيس في تدهور الوضعية السياسية بفرنسا بعد ذلك :
أولا: ما نلاحظه على سياسة لويس 14 هو أنه مزج بين مصلحة أسرته و مصلحة الدولة حتى أصبح يحارب  أوروبا بكاملها لا دفاعا عن مصلحة الدولة الفرنسية ، و بسبب ذلك قامت حرب ما يسمى بالوراثة الإسبانية التي دامت عشر سنوات أنهكت من خلالها قوة فرنسا.
ثانيا :  محاولة توحيد العقيدة و القضاء على كل ما هو ليس مسيحي كاثوليكي الذي انتهى بطرد البروتستانتيين من فرنسا سيما وقد كانت هذه الجماعة هي الأكثر ثقافة و تقدما و دراية بكل الأحوال الاقتصادية و المالية
 ثالثا : وهو خضوع لويس 14 إلى مصلحة الكنيسة الفرنسية و كل ما يدور في فلكها  
         إذن في النهاية بحث مونتسكيو في تاريخ روما يهدف إلى البحث عن مفهوم السياسة العصرية التي ليست هي سياسة التوسع و التي لا تتعلق بفكرة النبلاء و حروبهم القديمة بالنسبة لمصلحة جماعة معينة.
رابعا :  وهو عكس ما يظنه الكثيرون فالحكم المطلق ليس هو البداية ، بل نتيجة لتطور معين و هو أي الحكم المطلق يسبقه دائما حكم مقيد ، فلذلك عند مونتسكيو هناك فرق كبير بين مفهوم الملكية التي هي ملكية مقيدة بتبادل المصالح بينها و بين رؤساء جماعات معينة ، و بين الملكية المطلقة التي هي نتاج ثورة داخل دولة معينة ، و بالتالي لا يعتقد مونتسكيو بأن مفهوم الملكية كما كان أيام لويس 14  هي أنها ملكية مطلقة لأنها ممنوحة من القدرة الإلاهية.    
   وقد اعتبر الإنجليز مونتسكيو أنه قدم أعمق تحليل لدستورهم السياسي و قدم أقوى دفاع عن الحرية  في أوجه الاستبداد بخلاف الفرنسيين كغيرهم من الشعوب الكاثوليكية فإنهم لم يصغوا إلى دعوته إلا بعد إقامة الثورة الفرنسية ،
    و فيما يتعلق بالمنهج،  فلب المنهج عند مونتسكيو- يقول العروي- هو المقابلة و المقارنة ، فقد كان يقارن باستمرار بين القانون الروماني الجاري به العمل في جنوب فرنسا و الأعراف الجرمانية الجاري بها العمل في شمالها .إذ لاحظ بأن أعراف الإرث و قوانين الزواج ...مختلفة تماما بين الشمال و الجنوب ، ، فبالإضافة على اعتماده المقارنة في كتابه هذا ، فقد اعتمد على الرواية الشفوية التقليدية المكتوبة ، ذلك أنه لم يدقق في المعلومات و لم يدخل في نقاشات حول صحة هذه المعلومات بل أولها على اعتبار أن موضوعه الأساسي هو البحث عن مفهوم السياسة في الظروف الحديثة من جهة ، ومن جهة أخرى فمونتسكيو اهتم ببعد النظر و حرية الفكر و البراعة في استخلاص الفكرة .
    مقارنة مونتسكيو  هاته بين شمال فرنسا و جنوبها - يقول العروي-لم تكن فقط هي الوحيدة في كتابه ،فقد قارن أيضا بين النظامين الشرقي و الغربي ، حيث رجع إلى النظام القديم مع مجيء القبائل الآرية التي قسم منها اتجه إلى ما يسمى باليونان و قسم آخر إلى ما يسمى اليوم بإيران ، هذين القسمين مع أنهما من فرع واحد إلا أنهما يختلفان في أمور عديدة كاللباس مثلا ، فالإيرانيون كانوا يكتسون لباسا فضفاضا أما اليونانيون فقد كانوا يفضلون العري بدليل أنه في المعارك و التباري كان المتبارون عارون- إلى حد ما- ،كذلك فيما يتعلق بنظام الزواج ، فاليونانيون اتخذوا كعادة ، أحادية الزواج و الإيرانيون كانوا متعددي الزوجات في أغلب الأحيان ، ثم فيما يخص اللحية فاليونانيون كانوا يحلقونها أما الإيرانيون فقد كانوا يفضلون تربيها . فأسباب الاختلاف هذا حسب مونتسكيو بين هذين القسمين رغم أصلهما الواحد ، راجع إلى نوع التغذية  المختلف ، و الطقس ...، غير أنه مع تطور الأمور لم يصبح الاختلاف مقتصرا على اللباس و تربية اللحية ..بل أيضا في اللغة و العقيدة و الأعراف الاجتماعية ، و هذا ما جعلنا الآن يقول العروي أن نوسع المدى الجغرافي إلى الشرق متمثلا ذلك في آسيا ،  و الغرب متمثلا ذلك في أوروبا ولهذا يتساءل مونتسكيو : لماذا الغالب على الدول الأوروبية القديمة النظام الجمهوري ، و على الدول الشرقية النظام الملكي ؟ مع أن هذه المقارنة –يضيف العروي- غير صحيحة تماما لأن نظام قرطاج مثلا كان جمهوريا وهو الذي أخذت عنه روما نظام القنصليين ، إذن فهذه المقارنة ليست دقيقة لكنها أصبحت في ذهن الناس على أن نظام الشرق استبدادي ونظام الغرب ديموقراطي جمهوري .
   ينقل مونتسكيو هذه الثنائية –يقول العروي- من الماضي البعيد ، فيبحث في أسباب تجاوب الديانة المسيحية مع الجمهورية ،و الديانة الإسلامية مع الملكية ، و قد أشار العروي في هذا الصدد بأن الجمهورية يركز عليها المسيحيون البروتستانت بدليل أنه في عهد لويس 14 ركز على حكم أساسه رباني ملكي كاثوليكي بابوي .
      لم تقتصر مقارنة مونتسكيو على هذا فقط ، بل قارن كذلك بين النظام الفرنسي و النظام الإنجليزي في التاريخ الحديث ، و رأى أن هناك اختلاف بين النظامين مع أن الدين واحد والعرق واحد فلماذا إذن  هذا الاختلاف بين ملكية مطلقة و نعني هنا فرنسا ، وملكية مقيدة ممثلة بابريطانيا ؟  
    وبدوره قارن عبد الله العروي بين مونتسكيو و بين ما اعتبرهم أقرانه ويتمثل ذلك في كل من ماكيافيللي و ابن خلدون : 
     ففيما يتعلق بماكيافيللي فإنه يقارن باستمرار بين النظام الجمهوري و النظام الأميري ، أي بين روما القديمة و إيطاليا الحديثة غير أن هاجس ماكيافيللي حسب العروي  هو كيف يمكن خلق دولة لكي تدوم أكثر مدة ممكنة ؟ فهدف عمل ماكيافيللي سياسي في العمق ، و لا يعنيه كثيرا أسباب التطور و النهوض و الانحطاط.
     أما ابن خلدون فهمه الأساس هو منهاج تمحيص الأخبار، فإذا كان ماكيافيللي يستهدف مخطط السياسة العملية الذي لا يتطلب مقارنة موسعة فإن بن خلدون يمهد لسوسيولوجية العلم المساعد لقراءة التاريخ .  وقد آخد العروي ابن خلدون  كونه لم يستعن  بمراجع  لتوسيليت و تاسيلي و بوتاخوست المتعلقة بالتاريخ الروماني و اليوناني التي لم يطلع عليها ، وهي الكتب التي كونت فيما بعد الفكر السياسي الأوروبي الحديث .و يتساءل عبد الله العروي في هذا الإطار: أليس هذا هو سبب انحطاط أو محدودية الفكر السياسي الكلاسيكي العربي ؟ كيف سيكون فكر ابن خلدون لو اطلع على الكتب الرومانية السابقة على روما المسيحية ؟ 
               غير أن  ابن خلدون يضيف العروي، في مقارناته  بين  البدو و الحضر ،و بين العرب و البربر ، بين العرب و الترك التي استنتج منها ثنائية العمران المدني و البدوي، قد تتبع المعارضة على جميع المستويات ،بدون فزع أو خوف و هو ما يجعل منه مفكرا عظيما ، فميز بين  الحكم المدني المطلق الذي هو إما سديد يتوخى الخير للجميع و إما متهور ظالم،و بين حكم شرعي يضمن سعادة الفرد. لقد تشبت ابن خلدون بهذا الاستنتاج لأنه متيقن حسب تقويمه أن الحكم الجمهوري هو حكم الغوغاء  فاسد من الأصل ينتهي بالضرورة إلى الفوضى ، و هذه العقيدة نجدها أيضا عند ابن رشد لأن هذا ما وجداه  وباقي المفكرين الآخرين في المراجع التي كانت متوفرة لهم أنداك ، و لا يمكن أن يصل بالإنسانية هذا  النموذج الجمهوري  إلى أية نتيجة، لكن لو اطلع بن خلدون أو من سبقه على الفكر السابق على القرن الرابع و فكروا في النظام الجمهوري عندما كان متغلبا على الساحة ،أي روما القنصلية و أثينا الديموقراطية ، لو اطلعوا على ذلك ستكون النتيجة بدون شك مخالفة - يقول العروي-. وسبب هذا أنهم اعتمدوا على الترجمة السريالية . بخلاف الأوروبيين الذين  بدؤوا يفحصون في كتب تاسيلس و توسيلي و بوتاخوس و ترجمت كتبهم مرات عديدة و ترجمات الكتب لا تنتهي ، و دار التحقيق و النقاش حولها  عقود طويلة ، بحيث أنه في الفكر السياسي المعاصر في فرنسا ألمانيا إنجلترا كانوا يقرؤون اللاتينية و اليونانية بسهولة و ترجمات الكتب تتحسن مرة بعد أخرى و الجامعات تقوم كل 50 سنة بإخراج ترجمات جديدة أوفر من السابقة. و يتساءل عبد الله العروي في هذا الإطار : هل ننتظر كل هذا الزمن لترجمة كتاب مونتسكيو هذا الذي ترجم في عهد ملك بروسيا فريديريك الثاني قبل أن يكون ملكا ؟
           و فيما يرتبط بالعلاقة التي تجمع بين هؤلاء المفكرين  الثلاثة  وهي المقارنة الطويلة ، حيث يتساءلون :هل يمكن إصلاح ما فسد من سياسة ؟ هل يمكن أن نتغلب على كل هذه المعيقات و نصلح ما فسد؟
       ما  يوصي به مكيافيللي عند تردي أوضاع الدولة  هو بالضرورة إجراء "استئناف" بمعنى بداية دولة جديدة و ليس إصلاح القديم.    
    وقد طرح عبد الله العروي فكرة مونتسكيو التاريخانية التي استنتجها من التحولات السياسية التي طرأت على روما ، فقد كان مكتوبا  حسب مونتسكيو على روما أن تعلو إلى القمة كما كان مكتوبا عليها   تنحط إلى الحضيض قبل أن تطرد نهائيا من مسرح التاريخ ،  ذلك و بحسب مونتسكيو دائما ،الذي رأى  بأن أسباب نهوض روما هي نفسها الأسباب التي أدت إلى الخلل و الانحطاط ،ثم الانهيار و هي أسباب راجعة إلى التشريع و التربية و رعاية التقاليد ...، وهذا ما ينطبق على ما مر به العرب  - يقول عبد الله العروي - فالأنفة العربية لعبت دور العلو و السمو و الاعتزاز بالنفس وهو الذي جعل الفتوحات الاسلامية تنتشر من الشرق و الغرب ، لكن بعد ثلاث قرون ، الذين ظنوا بأن الأنفة كانت سبب إعلاء الشأن لم يفهموا بأنها هي نفسها تكون سبب الانحطاط و الاندحار .
         أما فيما يتعلق بمفهوم الدولة، فإنه  مختلف عند كل من مونتسكيو و ماكيافيللي –يقول العروي- غير أن ما يجمعهما هو استحالة الإصلاح، فالإثنان  يقولان بأنه إذا بدأت الأحوال تسوء في الدولة لا يمكن إصلاحها، يمكن تأخير النتيجة، و لكن لا يمكن إصلاحها ، و السبب هو أن كل دولة تنمو و تتسع و بعد حين تنقلب الأوضاع فتتحول تلك المزايا التي كانت في البداية سبب العلو، إلى عوائق، عندها لابد من  إبدال تلك المزايا بأخرى، بمعنى تغيير جدول القيم ،و هذا ما فعله أتاترك ، و بتروس الأول في روسيا ، و هو أيضا ما فعله اليابانيون ،لابد من حصول" القطيعة"- يقول العروي-  لكن هذه
 "القطيعة "غير ممكنة تلقائيا ،" فالحكمة تقتضي أن الأواخر لا تصلح إلا ما صلحت به الأوائل"
 - يضيف العروي- .
  و في هذا الإطار  ينتقد عبد الله العروي الأوضاع السياسية القائمة  بقوله :"غيروا أنتم الأحوال و عودوا بنا إلى الأحوال السابقة و حينئذ تكون الأمور كما هي ". فالمأساة السياسية هي أن تفرض عليك تغيرات دامية و تدفع إلى اتخاذ قرارات مقلقة إلى مدى بعيد . إذن فمونتسكيو و ماكيافيللي يقول العروي يدافعون فيما يسميه العروي "بالاستئناف" ، أي خلق "استئناف" ، فإصلاح دولة لا يمكن ، لابد من "الاستئناف" –يقول العروي-، بدليل أنه فيما يتعلق بروسيا ، فقد جاء بتروس الأول و أدخل إصلاحات ، وجاءت كاترين الثانية الألمانية و أدخلت إصلاحات ، بعد ذلك جاءوا قياصرة روسيا و أدخلوا إصلاحات ، ثم جاءت الثورة البلشفية و أدخلت الإصلاحات ، و يتساءل عبد الله العروي في هذا الإطار : ماذا نرى الآن؟ عودة إلى الماضي ، و عودة إلى الديانة الآرثودوكسية و إلى الملكية الخاصة . و هذه الحالة يمكن أيضا أن نتمثلها بخصوص الأوضاع السياسية في ظل أخطاء لويس الرابع عشر و التي هيأت للثورة الفرنسية غير أنه و بعد 25 سنة- يضيف العروي-  عادت الأمور كما كانت عليه بكيفية من الكيفيات ، فإذا كان هناك تشاؤم –يقول العروي- فالتشاؤم له ما يبرره تاريخيا أي أنك تقوم بإصلاحات تكون لها نتائج مختلطة بعضها صالح و بعضها فاسد و بين أنك تقوم "باستئناف"، من خلاله يمكن لك أن تحافظ على الاستقرار بالرغم من صعوبته

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire