اعتبر الأستاذ عبد الرحيم العطري النقد المؤسس كمنهجية تضاف إلى باقي الاجتهادات التي قام بها أبرز السوسيولوجيين المغاربة من أمثال عبد الكبير الخطيبي في نقذه المزدوج ، و مصطفى محسن في نقده المتعدد الأبعاد .
و النقد المؤسس الذي طرحه عبد الرحيم العطري هو منهجية للفعل و التفاعل مع القضايا التي تتناولها السوسيولوجيا ، و هذا النقد المؤسس كما باقي التصورات الأخرى فهو يتبنى قواعد و أسسا معرفية و إيبيستيمولوجية للوصول إلى أنساب الحقيقة -على حد تعبير العطري - وهذا النقد هو متعدد الخيارات لأنه يسعى إلى بناء المعرفة كما يسعى إلى بناء الذات السوسيولوجية ،- وحسب عبد الرحيم العطري دائما - فإن لهذا النقد المؤسس خطوات و قواعد ومن أهم هذه القواعد:
1- القطع مع الحس المشترك : من أجل الانتماء إلى المعرفة السوسيولوجية من المفروض بث القطيعة مع أفكار و ترديدات
الحس المشترك
2- الاعتراف بثقل التاريخ : بمعنى أية واقعة اجتماعية يستهدفها الباحث السوسيولوجي لابد له من العودة إلى تاريخها و شروط إنتاجها الأولية و باعتبار أيضا أن الظواهر التي يعيشها الإنسان في حاضره هي ظواهر تمتد جذورها في التاريخ
3- الملاحظة العلمية : وهي مسألة ضرورية للسوسيولوجي و مهمة له على اعتبار ما قد يكتنف في الظواهر من أسرار وغموض تستلزم نظرة أعمق و أكثر تفحصا من الاستعمال البسيط للملاحظة .
4- الانفتاح بدل الانغلاق : بمعنى الانفتاح على معارف متعددة على علوم أخرى لمقاربة الظاهرة الاجتماعية ، فالاقتصار على علم الاجتماع حسب العطري مسألة ناقصة و لا تساعد على اكتمال المشروع السوسيولوجي
5- التعدد المنهجي : الاستمارة وحدها بحسب العطري غير كافية لإنجاح البحث السوسيولوجي ، فالتمسك بالتقنيات الكمية و الكيفية معا و الاختيار المناسب لها هو الحل في نظر العطري للوصول إلى نتائج علمية تقارب الحقيقة .
6- طرح السؤال : بمعنى أن أي موضوع سوسيولوجي بالإضافة إلى ما سبق هو رهين بطرح السؤال وهي نقطة مهمة و ضرورية في علم الاجتماع ، فمن الضروري اختيار السؤال المعقد و الصعب الذي يفتح آفاق للتفكير و التمحيص العميق .
7- مفتاح التراتب : التراتب الاجتماعي بحسب العطري هو المفتاح لفهم المجتمع المغربي ، فالتراتب الاجتماعي هو الذي يصنع الحقيقة ،
وقد تساءل عبد الرحيم العطري عن شكل و بنية المجتمع المغربي ، فقبل أن يكون مجتمعا مركبا إسوة مع طرح بول ياسكون ، أو مجتمع متعدد الأبعاد الذي طرحه مصطفى محسن ، أو مجتمع نامي كما طرحته بعض الدراسات الاقتصادية ، فهو "مجتمع تراتبي" بالدرجة الأولى حسب العطري ، باعتبار أن التراتب هو شرطه الوجودي ، لأن كل العلاقات و الأفعال الاجتماعية هي مبنية على التراتب ، فنظام الطبقات ينعكس على مستوى القيم و السلوكات و الممارسات بدليل حسب العطري دائما أن عالم المخدرات نفسه يعيش التراتب فهناك مخدرات ذات الثمن المتدني و تقصده الطبقة المتواضعة و هناك المخدرات ذات الثمن العالي و يقصده الأشخاص ذوو مكانة اقتصادية كبرى داخل المجتمع المغربي إذن فالتراتبات لقوتها داخل هذا المجتمع تمتد إلى الانحرافات و نفس الأمر في التعليم وفي باقي المجالات و العلاقات الاجتماعية الأخرى ....
هذا ، وقد اعتبر العطري بأن المسألة القروية في المغرب تنتج جدالا واسعا خصوصا عند التطرق للمجال الجغرافي ، فكما تساءل عبد العروي يتساءل عبد الرحيم العطري عن جغرافية و مجال الموضوع القروي بالمغرب ، فهل يمكن اعتبار المجتمع القروي المغربي مجتمعا قرويا جبليا ، أو صحراويا ، أو سهليا ، أو نجديا ....وهل نفس القضايا التي تطرح في إحدى هذه الأنواع القروية تطرح في الأخرى ؟؟ يتساءل العطري ، إن كل مجتمع من هذه المجتمعات له خصائصه وقيمه الخاصة و سيكون بحسب العطري مغامرة إذا اعتبرنا أن جميع الأنواع و التشكيلات للمجتمع القروي بالمغرب هي تشكيلات واحدة وهو ما يؤكد على أن الباحث السوسيولوجي أمام مساءل قروية متعددة بدل مسألة قروية واحدة وواضحة . لكل ذلك يتساءل العطري ما هي الإمكانات التي يمكن أن تساعد للرقي بالمجتمع القروي و إخراجه من الإرهاصات التي يعيشها ؟ قد تكون هناك حلول سياسية مثل إمدادات الكهرباء ، أو تدخل التقنوقراط في بلورة مشاريع اقتصادية مدرة للدخل ، وهنا يستحضر عبد الرحيم العطري تصور ومقاربة بول باسكون وهو تقسيم الأرض بشكل عادل و إعادة توزيع الثروة الأرضية و تجاوز الاختلالات العقارية التي تحضر في تدبير المسألة القروية .
وقد دعى العطري على المستوى السوسيولوجي بإعطاء الأهمية للمسألة القروية باعتبار أن المجتمع المغربي هو بدرجة كبيرة من أصول قروية . فالذي أدى إلى بروز المشاريع الكلونيالية و تفردها هو اهتمامها بالمسألة القروية في عاداتها و معتقداتها والممارسات و الطقوس التي تمارسها ، وفي هذا الإطار دافع العطري بقوة عن المعرفة الكولونيالية و اعتبرها معرفة ذات جودة و إنتاجاتها العلمية كانت ثقيلة بغض النظر عن ظروفها الأيديولوجية ، بمقابل الإنتاجات السوسيولوجية المغربية التي أكد العطري على أنها لم تحاكي ولم تكن بشكل من الأشكال على مستوى التنظير و المقاربة العلمية للسوسيولوجيا القروية .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء قد نظم بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط يوم الثلاثاء 14 دجنبر 2010 انطلاقا من الساعة الواحدة بعد الزوال بتنظيم وإشراف طلبة علم الاجتماع بالكلية .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire