dimanche 13 février 2011

الجملكيات العربية ، لقد نسوا بأن الليل مصيره الانجلاء و الديكتاتورية إلى الزوال




      لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين في العالم العربي  ، أن يصل يوم تكون فيه معظم الأنظمة العربية  في موقع  بئيس ،  هزيل، و  تحت منطق الهزيمة و إثبات فقدان الشرعية . و لم يكن أحد ليستطيع التفكير و لو لثوان معدودة في الدمار الذي لحق ببعض هذه الأنظمة التي ظهر  و على مدى طويل جدا على أنها لم تكن تعبر عن إرادة الشعوب و لا لتطلعاتها في إحقاق الحق و الديمقراطية و  تثبيت الحريات العامة و الفردية و تطبيق القوانين و العمل على  خدمة الشعوب و الدفاع عن مصالحها ، إن هذه الثورات و الانتفاضات ، لهو أكبر دليل على غش و تحايل و الشطط في استعمال السلطة  التي مارسته هذه الأنظمة ، وفي هذا نستحضر بعض الأحداث التي عرفتها هذه الانتفاضات و التي شكلت عوامل و أسباب غيرت مسرى التاريخ و قلبت في أيام معدودة نظاما بائدا مستبدا ديكتاتوريا .
        سنتناول في هذه المقالة بالأحداث و تفسيراتها لانتفاضتين أو بالأحرى ثورتين تاريخيتين لشعبين رزخا تحت حكم رئيسين  لعشرات السنين ، تونس 23 سنة ، و مصر 30 سنة ، و كيف أنهما يتقاربان في أشياء كثيرة  لا على المستوى السياسي أو الحقوقي و حتى البنية الاجتماعية إلى حد كبير .
     تعددت أسباب سقوط الرئيس بن علي ، و النظام الذي كان يديره و ذلك لارتكابه أخطاء تاريخية حسبت ضده ، غير أنه و بالرغم من ذلك و إلى حدود الشهور الأخيرة من السنة الفارطة سنة 2010 ، كانت تتقاطر التقارير الإقليمية و الدولية تظهر أن المنهج الاقتصادي التي تتبناه الحكومة التونسية يساهم فيما لا يدع مجالا للشك في ازدهار البلاد و تقدمها على مستوى مؤشر التنمية البشرية ، لا بل الوضع الاقتصادي لتونس أفضل حال من اقتصاديات  بعض الدول الأوروبية مثل البرتغال و إيطاليا و اليونان حسب تقرير دافوس السنوي لسنة 2009 ،إن الاقتصاد محور فقط من المحاور التي استهدفت الدولة التونسية تنميتها ، ذلك أن هناك مجموعة من القطاعات شملتها التنمية كقطاع الصحة و التعليم و نجاعة سوق الخدمات ....إلى غير ذلك من المجالات و الميادين و القطاعات ...وإذا كان  الوضع  القوي لتونس على مستوى التنمية الاقتصادية و التعليمية حاضرا و مهما و مؤثرا  في منطقته الإقليمة ، فإن الاقتصاد المصري لا يقل عنه أهمية ذلك أن هناك مجموعة من القطاعات تساهم بشكل كبير و وازن في إنعاش الناتج الداخلي الخام ، فالاعتماد على السياحة و الزراعة و استغلال الموارد الطاقية التي تزخر بها مصر و تشجيع الاسثمارات الخارجية و بناء قوة صناعية قوية و إعلام كبير و مؤثر ، كل هذا لعب دورا بارزا في تقدم مصر و نمائها و احتواء مجموعة من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية وهو ما أضاف لها نقاطا مهمة في التنمية البشرية التي تنهجها . إذن لماذا الثورة ؟
      قبل أن نتحدث عن تطورات الثورة  التونسية  و الثورة المصرية و تداعياتهما و النتائج التي أفضت إليهما و التي قد تتوضح   في مستقبل الشهور المقبلة ، باذء ذي بدء ، سنحاول التطرق لأهم الأسباب التي كانت مفصلا في انفجار هذين الثورتين  الشعبيتين إلى العلن و إلى الواقع ، و لعل من أقوى هذه الأسباب  في الجانب  التونسي هو  23 سنة من حكم زين العابدين بن علي ، بحيث أنه لم يتصور  أن الأجيال التي كانت تتوالى قد  تجاوزها بسنه و  أنه وصل إلى 75 سنة ، بمعنى أوضح أن السياسة –بشكل عام – التي كانت تمارسها الدولة سواء ذات المصلحة الفردية أو الجماعية ، لم تعد تفيد الواقع ، و تكاد تكون تتناقض مع تطلعات المجتمع ، أكثر من ذلك ، الإحباط و التذمر الذي ساد داخل المجتمع و المعارضة الذي تمثله و كل الأطياف الحقوقية  عندما سادت أخبار تؤكد على  تولي زوجته ليلى مقاليد السلطة بعده سنة 2014 بطبيعة الحال عن طريق          " انتخابات رئاسية"  و هو ما  يبرز أن إدارة الدولة تنتقل من شخص إلى آخر داخل أسرة واحدة و لها نفوذ واسع داخل البلاد ، و هو ما يؤكد أيضا أن كل أشكال الترهيب و المكر السياسي الذي مورس من قبل سيمتد إلى ما لانهاية ، مما يحتم على الشعب البقاء في الوضع نفسه لا جديد و لا تحول يلوح في الأفق . و بالضبط هذا ما  يقع في الأنظمة العربية الأخرى  و في مصر تحديدا ، فقد تمسك مبارك بالسلطة لمدة 30 سنة  منذ سنة 1981 ، على إثر اغتيال السادات ، فمنذ ذلك الحين وهو يؤكد على التغيير و نحو المجتمع الأفضل،  و نحو ديموقراطية و حرية أكثر غير أن ذلك كان بشكل عكسي كلما دعا إلى الديموقراطية كلما كانت الديموقراطية تتدهور و الحرية تتأخر إلى أن أصبحتا تشكلان نذرة في تلك المجتمعات  ، و قد ترددت أيضا أنباء عن ترشح إبنه جمال لرئاسة مصر ، الشيء الذي كرس الإحباط و التوثر و القلق في الشعب المصري باعتبار أنها لم تصبح دولة بنظام جهموري بل أصبحت إلى جانب تونس و أنظمة عربية أخرى  " جملكيات " بمعنى أنها نظام جمهوري لكنه متوارث عبر أسرة واحدة تمرر الرئاسة فيها من فرد إلى آخر ، و بالتالي إقصاء الشعب بكامله في تحديد نوع الرئيس المختار و المجمع عليه . هذا إذا اعتبرنا أن في الانتخابات يتم التزوير و الرشوة  و كل أشكال الفساد الأخري و استعمال جميع الوسائل التي تستهدف نجاح شخص بعينه في الانتخابات . و نستنتج من هذا أن هناك مافيات سياسية فاسدة لها مصالح مشتركة في عدم فتح أي فرصة لأشخاص آخرين للفوز بالانتخابات ، بحيث تبث من خلال العديد من التقارير الدولية و المخابراتية أنه في تونس و مصر  هناك أفراد و  عائلات محددة لم تكن في السابق تمتلك الأموال و الثروات الهائلة من قبل و في فترات وجيزة أصبحت تتحدث بالملايير و تمتلك يخوتا و قصورا و فنادق بملايير الدولارات  نتيجة لسرقة الأموال العامة و تفويت أراضي بأثمان بخسة لكبار المستثمرين ، في حين أن الشعب يرزخ تحت نير البطالة و الفقر المدقع ، و القهر و الاستبداد و التهميش و الإقصاء و ازدياد الهوة بين  الفقراء و الأغنياء و استحواذ الأغنياء على النصيب الأكبر من  ثروة البلاد والتحكم في  المال و  السلطة و النفوذ  . و ما ينتج عن ذلك من تقهقر علمي و فكري و معرفي جراء الفساد الذي يحتم هذا التقهقر لألا  يكون هناك فئة  من الأشخاص الذين يستطيعون استخدام عقولهم لتفسير الأنساق السياسية و الاجتماعية التي تعيش فيها معظم الشرائح الاجتماعية قهرا و قسرا  و هو ما يؤكد على التراجع المستمر و الكبير للدور الفكري العربي في هذا الشأن ، و لعل أبرز دليل هو ما جاء في قول أحد السوسيولوجيين المغاربة أنه إذا كان الغرب يعيش أزمة فكر فإن العالم العربي يعيش أزمة الأزمة.

     فهما إذن نظامين ديكتاتوريين شموليين  يتحكم فيهما  الحزب الواحد و هو الحزب الدستوري في تونس و الحزب الوطني في مصر ، و من أجل إعطاء تلك الصورة القوية للحزب ، فمنتسبي كلا الحزبين يتجاوز الثلاثة ملايين منخرط و معظمهم من رجال الأعمال ، و الموظيفين المقربين من السلطة ، و لا مجال لأبناء الشعب للدخول في هذه الدائرة التي تحدد شروطا  للانتماء إليها  لا توجد إلا عند أشخاص معينين ، و ذلك  من أجل القطع مع أي شخص له رغبة في الانتقاد  و المعارضة . ثم من جهة أخرى  إرسال رسالة  للرئيس بأن كل شيء متحكم فيه و مسيطر عليه من لا من الجانب الاقتصادي و التجاري و لا من الجانب الأمني الذي يراهن عليه كثيرا و هو الجانب الذي تبدع و تتفنن فيه هذه النخبة ، فلا وقت لديها لتتفرغ و تنصت إلى هموم الشعب و تعمل على سد حاجياته ، فمصر مثلا بين الحين و الآخر تجتاحها أزمة " رغيف العيش " و ذلك إما لتدني جودته أو لزيادة سعره أو أن العرض لا يوافق الطلب  ، و رغيف العيش هو أبسط الأشياء التي يفترض أن تعمل الدولة على توفيرها ، و على العكس من ذلك تماما فهي تقدم و بكل سهولة الأمن و القوة البوليسية للشعب ، فعديد الاعتقالات بين صفوف الإسلاميين و الشيوعيين في تونس و أحكام مجحفة في حقهم تصل إلى المؤبد ، زد على ذلك نفي العشرات إلى خارج البلاد ، أما في مصر لم تكن الأمور  أقل مصادرة للحرية من تونس  ، فاعتقال و اختطاف المئات خاصة من جماعة الإخوان المسلمين ، و التعذيب  ، و خرق القوانين و الدستور ، إلى درجة قتل العشرات من المواطنين تهمتهم الوحيدة  أنهم وجدوا في طريق  أفراد الشرطة و المخبرين ، وخير مثال على ذلك أشهر جريمة نكراء تلك التي تعرض لها خالد سعيد و هو شاب مصري عذب و ضرب إلى حد الموت أمام الملأ و أمام أصدقائه و عندما طلب  منهم سبب قتلهم له ،  قيل بأنه كان يمتلك قطعة من المخدرات ، و هو الذي تم نفيه من طرف أصدقائه ، و حتى إذا اعتبرنا أنه كان يمتلك قطعة من المخدرات هل من المفروض قتله بهذه البشاعة أمام الملأ ؟ أليس هناك قضاء و محاكم ؟ ثم ما ذنب هؤلاء و أولئك ؟ لما يقتلون ؟ لماذا يعذبون ؟ لماذا يذبحون ؟  إنهم لا يتوفرون على حرية و لا ديموقراطية ، فالسجون تملأ أعداد كبيرة منهم .
     لقد استطاع الحزبين الدستوري في تونس و الوطني في مصر من تدجين المجتمع  بكامل فئاته و شرائحه قسرا ،  لقد عملا على إضعاف المعارضة ، بحيث قاما باجثاثها و محو أي نشاط لها و السيطرة عليها و إقهارها ، فالانتخابات هي في نهاية المطاف اكتساح واسع للحزب الحاكم و دونه تبقى الأحزاب الأخرى فقط في نظر الحزب الحاكم ،  إما أن أفرادها هم خونة و عملاء لأطراف خارجية أو أنهم يريدون ضرب أمن و استقرار البلاد و تطورها و نموها ، إذن فهم ليسوا أهلا للدفاع عن الشعب ، لذلك سجلنا أن لا معارضة في تونس لا نقابات و لا أي منظمات  ضد السلطة باعتبار أنها مفتتة سابقا بشتى الطرق إما ترغيبا أو ترهيبا أو تزويرا ، إما باللين أو بقوة البوليس ،  كالذي جرى في مصر و هو موثق بالصور و التقارير  بحيث التزوير في الانتخابات جعل القضاء يحكم ببطلان  العديد من النتائج أكثر من  1000  قضية  تتعلق بالانتخابات رفعت في هذا الشأن تم تأكيد الفساد فيها غير أن تنفيذ هذه الأحكام لم تفعل من خلال السلطة التنفيذية مما جعل من الأحزاب المعارضة  تتذمر  ، مما أدى بأن لا تكون هناك  معارضة في البرلمان بتاتا فقط خمسة أعضاء ، و ذلك للتفويت و التصويت على   قوانين في الأصل لصالح فئة معينة ،  فدستور مصر يحدد قائمة من الشروط لانتخابات الرئاسة بحيث أنه نسبة 8 في المائة فقط  من المواطنين لهم الحق في الترشح ،  إضافة طرح دساتير على مقاس السلطة تعطى لفرد واحد فيها  كامل الصلاحيات في تدبير الشؤون العامة و الخاصة للبلاد و تمنع أي جهة أخرى  من المراقبة أو المشاركة ،  زد على ذلك   الحصار  الإعلامي الواسع الذي بموجبه تم احتكار المعلومة و توقيف عدة برامج  و صحف و إقالة مجموعة من الإعلاميين و الصحافيين  و فرض رقابة كبيرة على القنوات المحلية و إلزامها بشروط محددة مضنية و مجحفة ، إذا أرادت أن يكون عملها سهلا و سلسا ، لا من الجانب التونسي أو حتي من الجانب المصري ،   إذن القمع لم يقتصر فقط على الحريات العامة و الفردية ، أو صد  الأطرف التي  تحاول فضح  المعاناة و المأساة التي يعيشها المواطنون بل وصل القمع حتى للمجال الإعلامي ، إذ فهي أنظمة مغلقة تماما .  
        لقد حكم بالشعبين  بيد من حديد ، منحوا لهذه  الشعوب فرصة  البقاء على قيد الحياة ، لذلك لم يكن يتوقع أي أحد أن تأتي الهبة الثورية ، و لم يكن أحد ليتوقع أن هذه  الشعوب ليس عمياء ، أو مريضة  ، أو معوقة و باردة ،كما كان يدعي بعض المحللين ؛   و أن هذه الأنظمة هي الأقوى  و لا وجود لخلية أو حزب أو شخص أو جماعة تهدد وجودها , لقد أبانت على ضعف قاتل ، و حجم  صغير جدا  يجاور حجم بعوظة ،  و ليس بإمكانها فعل أي شيء أمام الإرادة الحقة و القوية للمواطنين الضحايا ، لقد سقط قناعها و انتهت المسرحية الهزلية التي كانوا يمثلونها و يخرجونها و يكتبون سيناريوتها ، لقد  قلب الشعب الطاولة عليها و تكشفت ألاعيبها و مناوراتها الفاشلة ، حقا إنها أنظمة فاشلة . كيف لمعطل بسيط بائع للخضر أن يكون سببا لثورة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ثورة تاريخية؟ثورة ياسمين !!ثورة فل !و ثورة جياع جياع للحرية و الديموقراطية و العدالة ! لا شك أنها ستأخذ مساحة واسعة من  التاريخ ، كيف يمكن للفايسبوك و التويتر و اليوتوب أن يسقط نظام مبارك الفولاذي ، مخابرات أمنية و عسكرية ، و أجهزة أمن الدولة  ، و المخبرون ، و البوليس ...كلها أجهزة سقطت سقوطا مضحكا مبكيا ، كيف لهذه الأجهزة أن تتراجع و ترضخ لإرادة التاريخ ؟

        كان الشاب البوعزيزي عاطلا عن العمل ، و باستغلاله للوقت الذي كان يضيع من حياته في البحث عن وظيفة ، عمل كبائع للخضار متجول في الشوارع ، و بطبيعة الحال كان من المفروض أن يكون مهموما مدحورا  قاطعا الصلة بالأمل ، فأوقفه أفراد من الشرطة و صادروا عربته التقليدية المهترئة  آخر مصدر لرزقه ، فأشعل في ذاته النار و قتل ، إنه لم يشعل النار في ذاته فقط ، إنه أشعل النار في المجتمع كله  ، لقد كانت النقطة التي أفاضت الكأس ، فبدأ الناس يخرجون زرافات زرافات منذ الأيام الأولى التي تلت الحرق ، من مدن  سيدي بوزيد  إلى صفاقس و سوسة إلى القيروان إلى تونس العاصمة  ، حيث اختفت الشرطة عن الأنظار في مدن كثيرة  من خلال ضعف مقاومتها للهبة الجماهيرية للشعب ، و يخطب بن علي ثلاث خطب في ظرف أقل من  شهر في إشارة منه لتلبية مطالب شعبه ،  وعدهم من خلالها بحرية  أكثرو  ديموقراطية أشمل و أوسع ، و  أوضاع اقتصادية و اجتماعية أحسن غير أنه تبين أن تلك الخطابات قد استهلكت في الماضي و  فات الأوان عليها الأوان  إذا اعتبرنا أنه طوال 23 سنة الماضية و هو يرددها و  لم يتحقق منها شيء ، فبدأت مطالب الشعب  تزداد مداها شيئا فشيئا ، و بدأت القوات  الخاصة  باستعمال الرصاص الحي بعد التأكد من عدم فاعلية الهراوات ، و القنابل المسيلة للدموع ،  و يعمد بن علي لإسقاط الحكومة بغاية تشكيل حكومة جديدة ، لكن الشعب رفض ،  و لم يكن له بد  سوى الإعلان عن حالة الطوارئ و نشر الجيش في أرجاء البلاد ، غير أن الخلاف بينه  و بين جنرال الجيش رئيس هيئة أركان الدفاع  أدى بهذا الأخير  إلى تقديم استقالته ، وقد اعتبرت هذه آخر أوراق بن علي ، و بالتالي لم يكن له بد من المغادرة ، و هو ما كان بالفعل ، لقد عمل الجيش على احترام إرادة الشعب و لم يستخدم ضده القوة  ،  لقد ترك بن علي  بعض الصقور المتوحشة لنظامه من حرسه الجمهوري ،  فانتشروا في أرجاء البلاد و عاثوا قنصا و قتلا في المواطنين التونسيين ، رصاص  حارق في الرأس ، القلب ، البطن ...قتل العشرات من الشباب ، و قد تأكد فيما بعد أنهم كانوا يخططون لنشر الفتنة و تسهيل رجوع بن علي للسلطة ، غير أن ذلك هو الذي لم يكن ، بل اعتقل منهم الكثير برئاسة جنرال و رئيس حرسه المتورط في القتل و الفساد المالي و السياسي ،  و قد عمد المواطنون إلى تشكيل لجان شعبية للدفاع عن مناطقهم و ممتلكاتهم من اللصوص ، الذين تبينوا فيما بعد أنهم من أتباع نظام بن علي .

   لعله من غير الصواب أن لا نقر بتشابه  و امتداد السيناريو المصري  للسيناريو التونسي  ، بالرغم من بعض الجوانب و النقاط التي اختلفت في الثورتين ، فشرارة الثورة المصرية هي حركة 25 يناير ، التي حثت المصريين  في مواقع الأنترنيت  بالخروج في يوم الغضب من أجل التعبير عن المعاناة و مأساة  الشعب المصري ، و هو ما كان ،  فقد خرج  عشرات الآلاف من المصريين منددين بالفساد و التزوير و انحطاط قيمة الفرد  إلى درجة " حيوان " و ابتلاع  حقوقه  و تذويبها ، فضعفت القوة البوليسية أمام  القوة الجماهيرية للشعب و غابت الشرطة في أرجاء البلاد بعد تراجعها و استنفاذ الوسائل المضادة التي استعملتها ضد الشعب ، نتج عنه تدهور أمني خطير و غير مسبوق ، تشكلت على إثره لجان شعبية تحفظ الأمن و الممتلكات الخاصة و العامة .  بعد ذلك تم نشر قوات خاصة قامت بقنص مواطنين عزل  ، زد على ذلك أعداد "البلطجية" الذين تم تأجيرهم لردم و نسف الانتفاضة الشعبية ، فقاموا بجميع أشكال الصد التقليدي فاستعملوا الجمال و البغال و الحمير و الأحصنة  و السكاكين  و مهاجمتهم عن طريق قنابل المولوتوف و العصي و خراطيم المياه و رميهم من أعلى أسقف العمارات الحجارة والقنابل لإضعاف المتظاهرين و  شق قوتهم  و إخلائهم من  الساحة التي كانوا يعتصمون بها  ، غير أنهم فشلوا في مهمتهم القذرة . تكرر سيناريو تونس في مصر فقرر مبارك إسقاط الحكومة ، و تعيين نائب للرئيس لأول مرة منذ 30 عاما ، و قيامه بتوجيه ثلاث خطب للشعب الذي كان يتحصن بميدان التحرير وعدهم من خلالها بحرية أكثر ديموقراطية أكثر أوضاع اقتصادية و اجتماعية أحسن غير أنه يتبين أن تلك الخطبة  قد فات الأوان عليها إذا اعتبرنا أنه طوال 30 سنة الماضية  لم يتحقق منها شيء فهل ستتحقق في ظرف 6 أشهر  ؟  .غير أنه و على العكس من  تونس عملت السلطات المصرية على قطع الإنترنيت و شبكة الهواتف النقالة من أجل أن لا تمتد  الثورة إلى مناطق واسعة من البلاد ، غير أن ذلك لم يشكل عائقا في خروج المئات الآلاف من المواطنين للتظاهر ضد النظام ، إضافة إلى قطع شبكة خطوط القطارات بغية الحد من تدفق المواطنين في المدن التي تعرف احتجاجات كبيرة  . إن المؤسسة العسكرية لعبت دورا جوهريا في هذه النهاية الحتمية ، فقد كانت تتخذ موقفا محايدا بحيث لم تقمع المتظاهرين و لم تستعمل ضدهم القوة ، ثم أنها لم تنقلب على الشرعية الدستورية لذلك و على غرار ما حصل في تونس أكد الجيش  التزامه باحترام مطالب الشعب و عدم مواجهته بالقوة من خلال مجموعة من البيانات تم إلقاؤها عن طريق التلفزات الرسمية  ، ثم من جهة أخرى  نجاح المجال الإعلامي الذي شكل وسيلة لنقل كل التطورات التي جرت بالصوت و الصورة ،  إما وراء الكواليس أو ما كان يقع في الشوارع و الميادين ، لقد كانت  القنوات المصرية الرسمية  تبث مناطق خالية من الجماهير و تؤكد على أن الاستقرار موجود و لا وجود لأي تظاهرة  و تبين بالصور مجموعة من الأفراد تقول أنهم يدعمون الاستقرار ببقاء الرئيس مبارك و تدعم حكومته و قراراته  و أن هناك أشخاص ركبوا الموجة بتفريق الأكل و الشرب و الأموال على الجماهير في ساحة التحرير من أجل التغرير بهم و بقائهم في الساحة في حين أن الحقيقة  غير ذلك  و أن هناك مئات الآلاف بل الملايين يهتفون بسقوط النظام .

    إن الديكتاتوريات حتما إلى الزوال ، إن الشعوب العربية  مما لا شك فيه كانت تحس بالذل و الإهانة و المأساة و المعاناة و التزوير و الرشوة و كل أشكال" الاستدحاش" و " الاستحمار " ، فاستدحاش أو استحمار شعب مصيره الفناء  و الا وجود ، بل العدم  ، إنها لم تكن شعوبا باردة أو معاقة  أو نائمة في السبات العميق ، إنها  في الحقيقة كانت تبحث عن النقطة التي بإمكانها استنهاض الهمم و بث الرعب في هذه الأنظمة و الانقلاب عليها  ، و الطريقة التي بإمكانها إسقاط الطغاة بدون خسائر ثقيلة ، فالشعوب لم تكن لتدري الماوراء قيام الثورة ، كانت تخشى الإبادة الجماعية و  القضاء على النوع العربي  ، لكنه تبين فيما بعد على أن الثورة الحقيقة و  الفعالة هي الثورة السلمية  التي لا تتبنى العنف ، و هو ما تميزت بهما  الثورتان  التونسية و المصرية . لأنه تبني العنف سيقابله العنف و سيكون الجميع ضد هذه الانتفاضة العنيفة و ستؤول على أنها تهدف إلى تخريب القيم و استقرار ليس فقط البلاد بل المنطقة بأسرها و هو الدافع الذي سيكون جوهريا لطلب الاستعانة من الخارج لصدها . يمكن أن نضيف هنا أن الانتخابات بطبيعة الحال يتم تزويرها ، كيف إذن لنتائج تفوق ال 93 و 95 بالمائة أن تكون حقيقية في ظل كلمة معظم  الشعب الذي خرج  يهتف برأس الرئيسين مبارك و بن علي ، إنهم المنتخبون الحقيقيون ليسوا بالمنتخبين المزورين  كما يقال عندما تعطى النتائج الرسمية للانتخابات  ، لقد منحوا هؤلاء الرؤساء لأنفسهم فرصا طوال عقود من الزمن يرددون في خطبهم أنهم كانوا يقضونها خدمة لشعوبهم ، إنه "الغباء التاريخي" ، لقد كانوا يكذبون و ينافقون شعوبهم و  يمتصون دماءهم و يكسرون عظامهم و يرمونهم للبطالة و الفقر و التهميش يأكل و ينهش  فيهم ,
      لقد عملت هذه الأنظمة على خلق  فجوة عميقة بين الشعب و مواطنيه ، فأصبح الأول يكره الثاني و يحقد عليه ، ذلك أن نظام الشرطة التي يتقاضى أفرادها و ضباطها  رواتبهم من أموال المواطنين ، و منوطة بهم  مهمة حفظ الأمن و الاستقرار ،  و الدفاع عن المواطن من اللصوص و المفسدين ، كان هذا النظام مساندا لهؤلاء ، و شرسا مع الآخرين ، لقد كانت  مهمتهم تستهدف تخويف و ترهيب المواطنين من أي فكرة أو موقف ضد السلطة قد يتبنوه،   بل أكثر من ذلك كانت  الشرطة تشن حملات مسعورة ضد الشعب و يمكن أن تقتل كما رأينا في حالة خالد سعيد  و كما  رأينا عندما دهست عربات الشرطة  المواطنين  خلال المظاهرات و قتلتهم  و رمتهم و أسالت دماءهم بدم  بارد لا رقيب و لا حسيب ، و في حالات كثيرة في تونس ،  كما يمكنها أن تعذب و تقمع و تستبد و تمارس  الشطط في استعمال السلطة..بدون مراقبة قضائية  مستقلة أو لجنة موضوعيةو مسؤولة   تستهدف فضح كل الممارسات الخارجة عن القانون...و أصبحت الشرطة  لا تبالي بأمر المجرمين الخارجين على القانون و الفاسدين و المفسدين الكبار برجال الأعمال  ذوي النفوذ بقدر ما  تستهدف المواطن الضعيف و المغلوب على أمره .
      إن الفقر مسألة طبيعية ، طوال التاريخ  الماضي الغابر هناك الغني و الفقير ، إن جدلية التناقض هذه موجودة في هذا  التاريخ ، إنه لا عيب في الدول  افتقارها للموارد المالية أو الاقتصادية لسد العجز  في المشاكل التي تتخبط فيها ، كم من دولة فقيرة استطاعت تدبير شؤونها و تسيير نفسها بشكل جدي و مسؤول ؟ إن المشكلة و العيب كل العيب  في هذه الأنظمة ليس في فقرها أو محدودية مواردها الطبيعية ، بل هو في فسادها المستشري و الذي يأكل ملايير الملايير من  الأموال كان بإمكانها حل جميع المشاكل التي تعاني منها البلاد ليس فقط ذلك ، بل بإمكانها تسديد كافة الديون التي عليها  ،  إن التنمية التي كانت هذه الأنظمة   تتغنى بها من خلال الشطحات الإعلامية التي كان روادها يدعمونها ، يجب أن نبعدها من تصوراتنا الوردية  ، بحيث أن التنمية  يمكن أن تفيد مجموعة على حساب مجموعة أخرى من المجتمع ، بمعنى أوضح ،  كيف يمكن أن نتحدث عن التنمية و نسبة البطالة تزداد  بشكل متسارع ، و نسب التضخم تسجل أرقاما جديدة ، و الهوة تزداد توسعا بين الأغنياء و الفقراء .
 إن بزوغ أي ثورة هو" عقد مع التاريخ "، بمعنى أوضح ،  أنه لا مجال لتغيير الأشخاص أو المجموعات أثناء قيام الثورة ، أو تقديم التنازلات ، إن هذا العقد الذي يجمع بين الثورة و التاريخ هو اجتثاث أولا للنظام القائم ليس باعتباره فاسدا أو أنه  لم يكن على قدر المسؤولية التي أرماها هو  نفسه على عاتقه  ، بل لأنه طبق " الغباء التاريخي" و سجل نفسه في قائمة الديكتاتوريات الغبية ، لأننا نعيش في القرن الواحد و العشرين ، في عهد التقدم  العلمي  و الإنساني و هو عهد بإمكاننا  الاستفادة منه  من خلال ما جد فيه من تطور ،  و أخذ العبرة و الموعظة من الديكتاتوريات التي كان مصيرها محتوما و بديهيا ألا و هو الزوال الذي لا محيد عنه . و هي أيضا "عقد مع التاريخ " بمعنى قطع  الصلة مع النظام القديم و تأسيس نظام جديد حر و  ديموقراطي و عادل  ليس لديه أي امتداد أو ارتباط بالنظام السابق الذي وجب  بث القطيعة الرسمية معه ، و كذلك تحذيرا لهذا النظام الجديد بأن مصالح الشعب هي العليا و أن لا أحد يمكن أن يهين المواطن و يحتقره مهما كانت الظروف .
      سئل ابن مبارك في أحد الندوات  عن مدى تجاوبه مع شباب الفايسبوك  و  هل لديه استعداد للإجابة عن أسئلتهم ، فكان رده الاستهزاء  و السخرية  و الضحك ، لم يكن يعرف أو يعتقد على أن شباب الفايسبوك  سيبخرون  أحلامه برئاسة مصر ، و أن شباب اليوتوب و التويتر و العالم الافتراضي قادر على إنجاز المعجزات ،لم يكن يدري بأن الثورة في إيران تمت بوسائل تقليدية و أن الثورتين الفرنسية و البلشفية قامتا بالحوار و الخطب في الشوارع صعب  حينها بعث رسائل لمسافات أطول . فكيف لها أن لا تقام في القرية الصغيرة . فهي إذا أول ثورةإلكترونية يشهدها التاريخ الحديث  .
    إن هؤلاء الشباب -في تونس و مصر- بدون مرجعيات سياسية أو دينية أو عقائدية  حققوا النصر ، إن  المدهش من كل ذلك  أنهم بدون قائد ملهم يقودهم ، كلهم يد واحدة ، مصالحهم واحدة و مشتركة  . افتخر الشعب و اعتز بهم لقيامهم بما عجز عنه آباؤهم  . و كان يتمثل لهم ذلك الحلم بالتغيير ،  بعيد بعد الدهر ،  ثقيل ثقل الكون ، و لا مجال حتى للتفكير فيه ، فقد قهقرت هذه  الأنظمة  الدور العربي في المنطقة  ، و أصبحت الشعوب العربية  مهددة أكثر من أي وقت مضى ، أوروبا النووية ، إسرائيل النووية ، إيران باكستان ،  الهند ،  الصين النووية  ، و العرب لا يملكون لا علما و لا معرفة و لا أدبا و لا جيشا  و لا أي شيء يمكن أن  يتشرف به العربي على مدى التاريخ ، إلا إذا كانت هناك اجتهادات فردية من هنا أو هناك . لقد أبان العرب و الشعب التونسي و المصري على الخصوص أن إرادة الشعوب لا تقهر ، كما أبانوا عن التحام و تضامن كلي و شامل فظيع و  رائع بكل المقاييس  بين جميع الشرائح و الفئات العمرية  سيشهد له التاريخ  و سيسجل على جباه كل جائر و محتال .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire