حذر الأستاذ ادريس بنسعيد من تهميش الشباب ، و اعتبر أن الاستمرار في إقصائه مسألة لن تجدي نفعا في أي شيء ، بل ستزيد من إنتاج المشاكل و الإشكالات العميقة و المقلقة للمجتمع المغربي في حاضره و مستقبله .
ففي محاضرة له بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة يوم الجمعة 11 مارس ، في درس سوسيولوجي تحت عنوان " الشباب و التغيرات السياسية و الاجتماعية بالعالم العربي" أكد بنسعيد على أن أحداث و تفاعلات 20 فبراير هو أمر لا يمكن تجاوزه لا على مستوى الواقع و لا على مستوى التحليل .
و في تحليله السوسيولوجي للأحدات و التطورات الراهنة بالمجتمع المغربي و ما يعرفه من تحولات ، وظف الاستاذ بنسعيد مقاربة سوسيولوجية لموضوع الشباب في ديناميته داخل المجتمع المغربي ، و يتمثل ذلك في ثلاث مستويات إبستيمولوجية ، و هي الفهم ، و التفسير ، ثم مستوى الفعل.
و قبل المرور للمستوى الأول كان لا بد من تحديد المفاهيم ، و المفهوم الأبرز في هذا الموضوع هو الشباب ، فعلى المستوى السوسيولوجي يعتبر مفهوم الشباب حسب بنسعيد مفهوما ليس له حدود واضحة و مضبوطة ، و عليه فمن الصعوبة بمكان تحديده هذا علما أن الخصائص البيولوجية و العمربة لا تهم علم الاجتماع بقدر ما يهم خصائص هذه الفئة خاصة داخل المجتمع المغربي . و بالرغم من كل ذلك فإنه من الملاحظ شبه إجماع على توصيف الشباب من طرف الفئات الاجتماعية الأخرى غير الشباب باعتبارها فئة منتجة للمشاكل بل هي مشكل في حد ذاتها . وقد عرف المجتمع المغربي مجموعة من التحولات في عدة مداخل أهمها العزوبة و الذي سجل في هذا المدخل تغيرات على مستوى مؤشر سن الزواج حيث ارتفع من 17.5 سنة في 1960 إلى 29 سنة في 2004 بالنسبة للإناث ، وهو ما يفسر أن الزواج كآلية من آليات الاندماج الاجتماعي كما تعتبر ذلك المجتمعات التقليدية أصبح مؤجلا ل10 أو 15 سنة ، بالإضافة ذلك هنا تغيرات على مستوى التمدن ، فمن نسبة 29 في المائة التي كان يشكلها المجال الحضري سنة 1960 إلى 54 في المائة سنة 2004 ، و هذا المعطى نتيجة للهجرة التي أدت إلى خلق العديدة من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية من انتشار لمدن القصدير و العنف ، و ارتفاع نسب الجرائم ...إلخ .
و بحسب الأستاذ بنسعيد فقد لعبت مجموعة من العوامل في تهميش الشباب و تذويب طاقاته و قواه الإبداعية ، فعلى المستوى الاجتماعي الشباب مقصي من الأسرة و الحق في تأسيسها ، و مقصي في اتخاذ القرار ، مما حدا به إلى إنتاج قيم و لغة و إشارات خاصة به . وبالإضافة إلى الإقصاء الاجتماعي هناك الإقصاء الاقتصادي الذي و بالرغم من عدم توفر المغرب على ثروات طبيعية فإن لديه ثروات بشرية شابة لا تستثمر بشكل جيد يتيح لها الاندماج اقتصاديا داخل المجتمع مما يؤدي إلى هدرها , و هو ما ينتج عنه البطالة ... و الفقر ... ،كما يمكن إضافة الجانب المؤسساتي الذي يشكل هو الآخر آلية لإضعاف قوة الشباب و عدم الاستفاذة من تجاربها من خلال ضعف البنية التعليمية التي أصبحت مقتصرة على التعليم فقط ، و لم تعد تحمل أي مشروع تربوي خاص بها ، ما يؤدي إلى تفشي قيم سلبية كالغش و التغيب المستمر ... ، هذا دون الحديث عن دور الشباب التي ما فتئت تعتني بالأطفال و المراهقين على حساب الشباب . و لعل الإقصاء السياسي لهو أبرز المجالات التي يعاني منها الشباب ، فتحكم النخب القديمة في هذه الأحزاب و الصراع مع الشبيات المنضوية تحت لوائها ، فضلا عن فرض وصاية على الشباب من أجل الاعتراف به و بقدراته ، دون نسيان على أن هذه الأحزاب تعيد إنتاج الأفكار القديمة وهو ما نتج عنه عزوف سياسي كبير خلال انتخابات 2007 .
إذن فالفئة الشبابية حسب الأستاذ بنسعيد هي مقصية و مهمشة إلى حدود كبيرة داخل المجتمع المغربي ، مما يفرض عليها الانتقال إلى آليات فعالة تفتح لها الآفاق للتعبير عن أفكارها و تصوراتها ، و تأكيد وجودها ، و من ضمن هذه الآليات العالم الافتراضي الذي يخول لها الاندماج بشكل يذوب كل معاناتها مع العالم الواقعي ، بالإضافة إلى ذلك اتخاذ هذه الفئة الاحتجاجات كشكل من أشكال التعبير عن تصورات و طموحات لم تكن لتلبى داخل المستويات المهمشة فيها ، و هو ما أكدته حركة 20 فبراير .
وقد عبر الأستاذ بنسعيد عن هذه الحركة كونها تحتضن شكلين من الشباب ، شباب الصباح الذي ينتمي إليه الشباب المتعلم و المثقف ، و الجامعي ...رسالتهم كانت تستهدف التبليغ على أن زمن المعاناة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية قد انتهي و المفروض رفع كل الحيف و الضيم على كل القرارات و القوانين المجحفة و أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر . و بالموازاة مع شباب الصباح هناك شباب المساء الذي يعاني بقدر كبير من التهميش و الذي و بعد انقضاء المسيرات الاحتجاجية خرج ليبلغ رسالته بشكل مغاير متمثل ذلك بالعنف .
أمام كل هذه الاعتبارات ، أكد بنسعيد على أن الشباب طاقة خلاقة و هدرها مغامرة كبيرة بالنسبة للمجتمع المغربي آنا و بصفة خاصة في المستقبل ، فبالرغم من الإصلاحات التي أعلن عنها و التي قدمت ، فإصلاح هذا الإشكال يستدعي شجاعة فكرية و حزبية و سياسية عميقة ، فاسترجاع هذه الثقة للشباب و بالتالي اندماجه داخل المجتمع رهين بالإنصات إليه ، و إلى مشاكله و تصوراته و أفكاره التي يطرحها و التي يريد التعبير عنها و تطبيقها ، فإقصاء سبعة ملايين مغربي هو حيف يصفه بنسعيد بالأمر الخطير لما قد ينتج عنه مستقبلا من نتائج مقلقة و مجهولة ، إذن فضرورة الإصغاء للشباب هي ضرورة أكيدة لاحتواء المخاطر التي قد يتمخض عنها ، و هذا الإصغاء يجب أن يكون عبر قنوات و مؤسسات ذات شأن وازن كالإعلام و مؤسسات الدولة ...و الجامعة ...
فالثقة بين هؤلاء الشباب و المجتمع يؤكد بنسعيد هي ثقة مفقودة ، و من أجل استرجاعها لابد من صدمة سيكولوجية تعيد الاعتبار لفئة الشباب ، و تعزز من فرص تأكيد وجوده و تحقيق مطالبه التي يستهدفها .