mercredi 23 novembre 2011

عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس :في تفكيك الخطاب "الخصوصي" ، سوريا نموذجا


       تسارعت الأحداث في "العالم العربي" ، منتجة بذلك أوضاع كان يعتبرها البعض حتمية و بديهية الوقوع ،  نظرا لتسلسل النكسات ، و الأزمات ، الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ....، و تجدرها بعمق  داخل هذه المجتمعات ، حتى أصبحت معاشة يوميا ، وتحولت إلى ظواهر عادية لا تنفك أن تكون لها حلولا و بدائل عملية و عقلانية . و هناك فئة أخرى ترى أن قدر هذا "العالم العربي" هو هذا الوضع "المتخلف"(حكم قيمة) ، الذي لا مناص منه ، و التفكير في الخلاص منه قد يؤدي إلى أمور أعقد و أصعب بالتالي يجب التوقف و الاستسلام له ،  فهل هذا التحول عرضي أم قصدي ؟ ألم تحكم توجهات مختلفة هذه المجتمعات ، فهناك الاشتراكية ، و العلمانية ، و الإسلامية(شبه الجزيرة العربية و السودان) ...؟ لماذا كلها أخفقت في تحويل مجتمعاتها إلى مجتمعات ناضجة عقلانية في تنظيماتها و تدبيرها الاقتصادي و السياسي والعلمي و حتى في تفكيرها ؟ لماذا لا يوجد نموذج مثالي لأشكال الحكم في العالم العربي نجح في تطوير مجتمعه ؟ أفعلنا نحن أمام حتمية تاريخية لا مناص لها ؟ أم أنها فقط فترة انتقالية في الصيرورة التاريخية "للعالم العربي"؟
     عند مقاربة الحالة السورية نجد أنها تدعي الحفاظ على كرامة و قوة المقاومة و دعم ما يسمى ب "محور الممانعة" من جهة ، و من جهة أخرى هناك آليات و وسائل أريد بها ضرب هذا المحور و تشتيته عبر "جماعات مسلحة" تريد إسقاط الشرعية التي يتفق عليها السوريون ، بالتالي لا مانع في أن يقضى على بعض السوريين و التنكيل بهم في سبيل مواجهة "المؤامرة " . يتضح لنا على أن هنالك طرح ينتمي إلى ما يسمى ب "الخصوصية" يدافع من خلالها عن الثقافة القومية في مواجهة الأطماع الاستعمارية الغربية ممثلة في إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا . و يرى عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس في هذا الطرح على أنه فاقد للصواب ، "فإذا كانت مقولات الخصوصية حاليا صحيحة في المعطيات التي تنطلق منها فخلاصتها خاطئة" بمعنى أن إعادة إنتاج البنيات الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية و الفكرية ...المتخلفة التي تحارب فكر وقيمة  الإنسان و تناهضه ،فعلى أساس هذه الخصوصية ستؤدي بنا إلى الانغلاق .  لكن القيادة السورية الآن تدعي الانفتاح على أحزاب و مكونات المعارضة و القيام بإصلاحات ديموقراطية  من شأنها أن تفتح المجال للتعبير و خلق تعددية فكرية و حزبية بالبلاد إلى غير ذلك من الإصلاحات ، وهي دعوة مبنية على أساس غربي بمعنى أن الطرح البعثي دائما كان إقصائي و "عنصري" و هو ما يثبته الدستور السوري الذي يمنع أي تعددية  أو تمثيلية حزبية  إلا للحزب البعثي و مكوناته ، بالتالي هذه الازدواجية ، بين الاقصاء و التهميش الذي استمر لأربعين سنة و بين الإصلاح "الترقيعي" المستمد أصوله مما حققه الفكر الغربي من تطور ،هذه الازدواجية بحسب محمد جسوس هي "محاولة لإعادة بناء نموذج  رأسمالي غربي ولكن بطريقة كاريكاتورية مشوهة تعتمد على آليات لا شعورية و على مكبوتات قوية جدا".

       لقد استطاع النظام السوري أن يستمر لمدة تزيد عن الأربعين سنة ، وقد نمى و تقوى بفعل الفترة التاريخية التي مر منها العالم العربي خلال الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي بفعل الصراع مع إسرائيل ، وقد كانت هذه المرحلة تقتضي دعما جماهيريا للنخب سواء المدنية أو العسكرية لمجابهة العدو و النهوض بالأوضاع و الترسبات التاريخية المتخلفة التي نتجت عن قرون من الاستعمار و الانحطاط  ، لكن التحولات التي كانت منشودة لم يكن لها المجال لأن ترى النور .
     يرى محمد جسوس أن  النظام يجب أن يبنى على أساس القناعة و المشاركة و أن تكون القيادة مبنية على أساس الإنجازات لا الزعامات ، الإنجازات القائمة على إحداث الاستمرارية و التقدم . بالتالي الارتكاز فقط  على "المنطق الثقافي الإديولوجي" الذي يعتقد من خلاله الأفراد أن لا مناص لهم من الخروج من أزمتهم أو الاعتقاد أن الفقر و الاستغلال و الضعف و استمرارية النظام "الديكتاتوري" هو أمر محتوم لا مراد منه و أن محاولة  تجاوزه يؤدي إلى المزيد من تفاقم الأوضاع ، هو ارتكاز لا أساس له من الصحة بالتالي فالخيار اليوم حسب محمد جسوس هو "الاندماج في التاريخ بكل مكوناته و مجابهة سلبياته و محاولة فرض ما لنا من قيم و اختيارات أما ما عدا ذلك فهو الظلام المطلق و هو فقط تحطيم بدون عناء و هو أيضا تكريس للأوضاع الراهنة".