في خضم التغيرات الاجتماعية و السياسية التي تميز العالم العربي في هذه الآونة ، و في ظل الظروف المتسارعة التي تشهدها المنطقة ، عمل منتدى ابن خلدون لعلم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط ، يوم الخميس 3 مارس 2011 انطلاقا من الساعة الثالثة بعد الزوال ، على تنظيم ندوة تحت عنوان :" الحراك السياسي في المجتمعات العربية والمغاربية " بحضور عبد الرحيم عنبي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير .
و لقد اعتبر الأستاذ عنبي أن الحديث عن هذا الموضوع في هذه الظرفية الدقيقة و الحساسة ، هي إشكالية للجامعي، و خاصة للسوسيولوجي من أجل الإجابة عن أسباب و عوامل هذه التغيرات و التحولات العميقة التي يعيشها العالم العربي .
وقد وظف الأستاذ عنبي مقاربة تقارن بين الاحتجاجات و الانتفاضات التي كانت تشهدها المجتمعات العربية منذ عقود ، و الحركية الاجتماعية الراهنة ، بحيث تدخلت مجموعة من التغيرات في جعل هذه الحركية تختلف عن سابقتها ، فانتشار التمدن و اتساع المجال الحضري على حساب المجال القروي شكل نضجا فكريا لهؤلاء المحتجين و وعيا مكنهم من معرفة حقيقية أكثر لواقعهم ، علاوة على التحول الثقافي العميق المعبر عنه بالتكنولوجيا الحديثة و وسائل الإعلام و الإنترنت التي كسرت حواجز الحدود الثقافية . هذا فضلا عن المدخل الديموغرافي الذي هو الآخر عرف تحولا كبيرا خاصة في قاعدة هرم الأعمار التي تعرف اتساعا كبيرا للفئة الشبابية التي كانت حاضرة بقوة و مهيمنة على هذه الانتفاضات. و لم ينفي الأستاذ العنبي وجود الانتفاضات و الاحتجاجات السابقة في العالم العربي ، وانتقد فكرة بروزها الراهن كشيء جديد على هذه المجتمعات -كما يعتبر ذلك الإعلام- ، فحين تكتمل الشروط و تنضج لتكون هناك انتفاضة فستكون هناك انتفاضة بالرغم من ظهورها في مواقع معينة في العالم العربي ، بمعنى أوضح لا علاقة بالانتفاضات التي يعرفها العالم العربي بعضها ببعض إلا إذا كانت هناك أوضاع تحتمها و تفرضها ، و هذا الحراك لا يجب أن يتعامل معه على أساس سلبي بل هو مؤشر على جملة من القضايا و المشاكل التي تعاني منها هذه المجتمعات .
وبحسب الأستاذ العنبي فقد لعبت مجموعة من الاختلالات في تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و على الخصوص السياسية و الحقوقية ، و تتمثل هذه الاختلالات في انعدام التواصل بين الدولة و النخب السياسية التقليدية التي لا زالت أسيرة لمجموعة من التصورات الكلاسيكية لتدبير الشأن المحلي من جهة ، و فئة الشباب التي لها مطالب و تصورات جديدة ، بحيث أن هذه الفئة لا تجد الفضاء الفعال و الحقيقي للتعبير و تفعيل آرائها ، مما يضطرها إلى اتخاذ الأسلوب الاحتجاجي ، هذا علاوة على تهميش دور الهويات المحلية الصغيرة التي تريد هي الأخرى التعبير عن همومها و حاجياتها و مطالبها في الاندماج داخل المجتمع بما يقتضيه ذلك من حفاظ على ثقافتها و مساهمتها في اتخاذ القرار . بالإضافة إلى كل ذلك يبقى حسب العنبي الاختلال الكبير هو الانهيارات المتتالية لمؤسسات الدولة ، بحيث أن هذه الدول منذ الاستقلال لم تستطع بناء دولة المؤسسات، فالزبونية ..وغياب التداول الديمقراطي للحكم ...و الرشوة ... و التزوير ...و المحسوبية والشبكات القرابية من المستوى العالي ، تهيمن و تسيطر على اتخاذ القرارات ، و تتحكم في اقتصاديات بلدانها مما يكرس التذمر و الرفض داخل المجتمع .
و لكل ذلك يقول الأستاذ العنبي ، من المفروض تغيير أشكال التعامل مع الشباب و اعتباره فاعلا أساسيا ، و خلق شبكات للتواصل معه و إدماجه في مؤسسات الدولة و الأحزاب ، و الاعتراف بوجوده ، بالطريقة التي تعكس تعامل فرنسا مع هذه الفئة بعد سنة 68 ، لا التعامل معه كمستهلك .
إن التحولات التاريخية التي يعرفها العالم العربي ، هي تحولات جديدة ، قيمية و ثقافية ..لحقوق الإنسان ...و الحرية ...و الديمقراطية ، و عليه مطلوب القيام بدراسات سوسيولوجية على غرار فرنسا 68 ، تستهدف مقاربة الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالحركات الاجتماعية و الحراك السياسي و الاجتماعي داخل المجتمعات العربية على أساس معرفي و علمي .