dimanche 19 février 2012

كيف نفهم طرح مناهضي (مقاوموا) حركة عشرين فبراير ؟؟: مساهمة سوسيولوجية




        تحل الذكرى السنوية الأولى لتأسيس حركة عشرين فبراير ، سنة غيرت كل التوقعات و التكهنات التي كانت تتداول عشية تأسيس الحركة ، وقد كانت الأغلبية سواء أكانوا من الزعماء السياسيين أو النخب أو المناضلين الحقوقيين أو الجمعويين وغيرهم طيلة الإحدى عشر سنة التي مضت تتساءل عن الشكل الذي ستمارس فيه السياسة بعد وفاة الملك الراحل ، وشكل العلاقة الدستورية الجديدة ، أو بالمعنى الأصح نوع التعاقد الدستوري الجديد ، وقد كانت الأسئلة "المكولسة" خاصة للأحزاب تتساءل عن  الطريقة  التي ستؤسس لهذا التعاقد الجديد ؟ و نوع هذا التعاقد ؟ و هل سيكرس لملكية مطلقة ؟ أم أن الأربعين سنة من الارتباك و الاضطراب السياسي و التحكم و السيطرة التي عرفها المغرب في السابق كفيلة للمرور بهدوء إلى نظام ديمقراطي حداثي تتنافس فيه القوى السياسية بنفس القدر من الحظوظ و الفرص ؟؟؟
     لاشك أن السياق الإقليمي (تونس و مصر ، وليبيا فيما بعد) كان له دور كبير في تأسيس حركة عشرين فبراير ، بحيث كانت الظروف السياسية و الاقتصادية و السيكولوجية المحطمة مماثلة تقريبا في هذه المجتمعات  بالرغم من اختلاف طبيعة الأنظمة ، غير أنه على الأقل في الحالة المصرية و التونسية كان الوضع في كلا الحالتين خطيرا بمقابل ارتفاع معدلات الإحباط و التوثر بعد انتشار أنباء التوريث ( في تونس زوجة الرئيس، في مصر إبن مبارك) ، كان إذا لا بد من أن يكون المغرب داخل هذه السيرورة طالما أن  نفس الظروف و نفس الأوضاع تتقاسمها هذه الدول .  لكن ماذا حصل بعد نزول الحركة إلى الشارع ؟
   أول المعطيات التي يمكن استقاءها هو قدرة حركة 20 فبراير على تجاوز كل المؤسسات التي تتوفر على الشرعية لتمثيل المواطنين سواء الأحزاب أو النقابات أو منظمات المجتمع المدني ... ، و ربما كان هناك في السابق انتظار المبادرة بالقيام بالإصلاحات من طرف واحد دون التوقع بأن المبادرة ستأتي من  الطرف غير المتوقع (حركة 20 فبراير) . وقد اعترف "نظريا" بمشروعية مطالب هذه الأخيرة و التي رفعتها في المظاهرات و الاحتجاجات التي كانت مجموعة من المدن و القرى مسرحا لها ، و كما أن بعض هذه  الاحتجاجات تم مراقبتها بأعين رجال الأمن من بعيد،   فإن البعض الآخر منها لم يخلوا من التدخلات العنيفة  لهم فضلا عن التوقيف و الاعتقالات بالرغم من أنها لم تكن اعتقالات واسعة إذ تم حصرها في نطاق ضيق . هذا الاعتراف "النظري" ترجم بطرح دستور كانت معظم الفعاليات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مشاركة فيه ، وقد تجاوزت بعض مواده و فصوله طرح أكبر المؤسسات السياسية في الدولة (بعض الأحزاب السياسية  الكبيرة) ، غير أن هذا الدستور و بحسب حركة عشرين فبراير لم يرقى للمطالب التي تنادي بها ، فما كان منها إلا الاستمرار في النزول إلى الشارع ، وقد كان لهذا القرار معارضة ، و مقاومة ترى بضرورة اختفاء حركة 20 فبراير  لأن ظهورها  و استمرارها غير مرغوب فيه لا مكانيا و لا زمنيا ، فكيف نفسر هذا الطرح ؟
الحــــركة و مـــعـــارضوها .
     لقد كانت هنالك مقاومة تتجه عكس السياسة التي كانت تنهجها حركة عشرين فبراير و هو ما تعرضت له الحركة من تهديد معنوي (تهديد رجل الشاقور مثلا ، الحركات المناهضة لحركة عشرين فبراير...) و تهديد مادي ( رمي المتظاهرين بالبيض و الطماطم و الحجر ...)  هذا فضلا عن التصاريح الرسمية لبعض وجهاء الدين و السياسة كالزمزمي الذي وصف أعضاء الحركة بالمثليين و الماركسيين اللنينيين و الملحدين ...[1]، وهناك تفسيران لهذا أحدهما أيديولوجي ( يدخل في إطار المعرفة العامية) و الآخر سوسيولوجي ، فأما الأيديولوجي فإنه يرى على أن هذه المقاومة تعبير عن جهل و أمية المجتمع و تفكيره "البدائي" الذي يعزز النزعة الاستبدادية و السلطوية فيه و يكرس للهيمنة و السيطرة  و يحطم قواعد المرور للديمقراطية . و أما التحليل السوسيولوجي فيرى على أن هنالك طقوس و ممارسات سياسية في أحيان و دينية في أحيان أخرى تعمل على إقناع و إرضاء و إغراء  المجتمع ، و هذه الآليات يمكن التنظير لها من زاوية العنف الرمزي[2] و هو ما يؤثر آليا على الأنظمة الأساسية كالأسرة و الشارع و المدرسة ، و الأنظمة الثانوية كالإعلام مثلا ، التي تفرض على الإنسان من خلالها ،  التطبع بأنماط سلوكية  و تبني أفكار و آراء معينة ، و تضمن استمرار تشبثهم بهذه الأنماط  التي يؤمنون بها  ، بل تعمل هذه الأنظمة  على تدعيمها و تعبئة الطاقات و الغرائز البشرية للامتثال لها بواسطة تبرير الأوضاع الاجتماعية و السياسية ، كما تعمل أيضا على الدفاع عن هذه الآراء و الأفكار  من كل انتقاد يمكن أن يوجه لها حتى يسلم الأشخاص أن الأنماط السلوكية و المعتقدات المفروضة عليهم هي أنماط طبيعية معقولة و مفيدة و مقدسة و أن الانحراف عنها هو إثم خطير و غير معقول و غير طبيعي ، هذا فضلا على المعاملات اليومية الاجتماعية و السياسية التي يمنح فيها التقدير و الاحترام و التفضيل للأشخاص الذين يمتثلون لهذه الأعراف و التقاليد الاجتماعية . و نتيجة لهذا يتم تقمص الأعراف الاجتماعية و الممارسات السياسية بصفة تلقائية من طرف الأشخاص و يعتبرونها نابعة منهم و يسود الاعتقاد أن هذه الأعراف تترجم أحسن من غيرها حاجياتهم و اختياراتهم و طموحاتهم  و يتم الإحساس بالتوثر كلما وجدوا أنفسهم في حالة تؤدي بهم إلى الخروج عن الأعراف المجتمعية ، و يعمل الشخص الذي يتبنى هذه الأعراف و يتقمصها من صلب إرادته بالدفاع عنها و بتلقينها للآخرين و إقناعهم للامتثال لها[3]. لذلك فالصعوبة التي يعتقد أغلب "الفبرايريين" أنهم يواجهونها أثناء طرحهم لمواقفهم و مطالبهم من خلال أشكال الاحتجاج الذي يمارسونه ليست صعوبات  سياسية فقط بل هي مجتمعية أيضا . و هو ما يؤكد إلحاح الكثير من الأشخاص و الحركات عدم إقحام عبارتي "الشعب يريد.." في خطبهم و احتجاجاتهم ، فحركة عشرين فبراير في نظرهم لا تمثل الشعب ، و هنا نطرح السؤال هل فعلا أن حركة عشرين فبراير لا تمثل الشعب ؟

 حركة عشرين فبراير بين التمثيلية و الرفض ؟
    تطرح بقوة إشكالية تمثيلية الشعب في المظاهرات و الاحتجاجات في المدن كما في البوادي ، بحيث ترفض فئات من المجتمع كما ذكرنا آنفا رفع الشعارات و المطالب باسم الشعب  خاصة من طرف حركة عشرين فبراير ، فكيف يمكن تفسير هذه الحالة ؟ لماذا يتم رفض ذلك ؟ و ما هي شكل هذه الشعارات التي ترفعها حركة عشرين فبراير  باسم الشعب إذن؟ و هل هذه الفئة الرافضة لذلك هي الجهة التي تمثل الشعب حقا ؟ و إذا كانت كذلك ، ما هي المطالب و الشعارات  التي ترفعها هي ؟
    لتفكيك هذه الحالة ، نستعين بالمقاربة التي طرحها الباحث السوسيولوجي آلان تورين الذي يقول بأنه إذا أردنا أن نقارب أي حركة احتجاجية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ثلاث مفاهيم أساسية و هي : الهوية  ، و التعارض ، ثم الشمولية .
- الهوية  : يرى ألان تورين على أن  كل حركة احتجاجية يجب أن تحدد هويتها الذاتية سواء  كانت طبقة أو شريحة  اجتماعية ، فئة عمرية ...
- التعارض: من الضروري أن تكون كل حركة احتجاجية محددة للطرف الذي تعارض  بعض أو كل قراراته ، برامجه  و سياساته.
- الشمولية : و هو الأمر الذي يهمنا هنا ، وهو الذي يعني أن الحركة الاحتجاجية لها مطالب عامة تخص  كافة فئات المجتمع مطالب شمولية ، وهنا تكمن قوة الحركة الاحتجاجية التي تتوفر من خلال هذا المفهوم على إمكانية  تعبئة  المجتمع  بشكل واسع .  
   إذن تبقى شرعية الحركة هنا في تمثيل الشعب رهينة بشعارات و مطالب الفئات و الحركات التي تعارضها , و هنا نطرح السؤال هل من الممكن أن نتحدث عن  مطالب أقوى و أميز من إسقاط الفساد و تعزيز المساواة و الحرية و الكرامة ؟؟ يبدو أن الحالة أعقد من ذلك ، إن الفئات المعارضة لحركة عشرين فبراير ليست في الواقع ضدها ، رغم أنها تقول ذلك و رغم أنها تعترف به و تؤمن به ، وإلا فإنها تصبح ضد المفاهيم السابقة الذكر ،  إن هذه المعادلة السوسيولوجية تكمن في التالي : "إننا مع بشكل مطلق ، ضد ..." لا شك أن الحركات التي تعارض حركة عشرين فبراير  بمختلف الأسماء التي أطلقت على نفسها هي مع "السلطة الشرعية" لا تعارضها بل تؤيدها بشكل مطلق سواء أكانت المنجزات إيجابية أو سلبية صالحة أو غير صالحة ، و سواء كانت الأوضاع الحقوقية أو القضائية جيدة أو سيئة ، فهم في البداية و النهاية لا توجد  لديهم انتقادات موضوعية على السلطة و يعتبرون أنها تقوم بعملها جهد المستطاع ، و تتزايد حدة مناوأتهم لحركة 20 فبراير طالما أن احتجاجهم  عليها لا يواجه بالعنف الذي واجهه في بعض الأحيان  أعضاء حركة 20 فبراير في السابق ، وهنا "تتخندق" و تتموقع هذه الحركات في نفس الصف الذي توجد فيه السلطة ضد "الفبرايريين" بالرغم من أن لا أحد ينكر أهمية و دور المفاهيم الكونية الإنسانية  للمجتمع و التي ترفع في وقفات عشرين فبراير ، و لا تستطيع بدورها الحركات المعارضة لها أن تنكرها أو أن تزيلها ، إن هذه الأخيرة في الواقع و بوضوح تعارض أفراد حركة عشرين فبراير و ليس مطالبها ، وبالنتيجة يستنتج أنه طالما لحركة عشرين فبراير مطالب واضحة و موضوعية تشمل قضايا المواطنين فإن لها الحق في تمثيلهم . و طالما لا يفهم مناوئوها و معارضوها طبيعة و قيمة هذه القضايا  و المطالب ، و غلبة النزعة العاطفية عليهم يبقى مجال تمثيليتهم ضعيفا .


[1] انظر المجلة المغربية  Actuel لعدد 112 ليوم من 15 إلى 21 أكتوبر 2011 .
[2] عبد الله حمودي : الرهان الثقافي وهم القطيعة ص 306  (و للمزيد انظر كتاب عبد الله حمودي  "الشيخ و المريد") .
[3] محمد شقرون : محاضرات في علم الاجتماع كلية الآداب و العلوم الإنسانية الرباط 2011 .

mardi 14 février 2012

الفيزازي وجها لوجه أمام عصيد


الفيزازي  : المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت قدمي  .
عصيد    : المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة ل300 سنة من التجربة و الاقتتال الإنساني .


         لقد وجد الحوار الهادئ و العقلاني مكانه في المناظرة التي عمل معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة على تنظيمها بين الشيخ الفيزازي و أحمد عصيد يوم 13 فبراير 2012 على الساعة الثامنة مساءا ، وقد كان تأثير عنوانها كافيا (مشروع الإصلاح المجتمعي بين الإسلام و العلمانية) لتغص كل جوانب أحد أكبر مدرجات المعهد بمئات الطلبة.
       وقد أكد الفيزازي (الذي يمثل الجانب الإسلامي) على أن العلمانية لم تكتفي بمهاجمة الدين بل حصرته من خلال التعبد و الممارسة الروحية فقط ، في حين أنه يدعوا إلى استعمال العقل و الاهتمام بالعلم فضلا على أنه يضمن للإنسان الحرية و المساواة و لا يشكل أي تهديد له ،و أضاف على أنه مع محاربة الفساد و الاستبداد و لكن انطلاقا من خلفية إسلامية .  و في رده على التحولات الآنية التي يعرفها العالم العربي ، قال الفيزازي بأن هذا الزمن هو زمن الإسلام الذي أدى إلى بروز واضح و كبير للحركات الإسلامية لم يستثنى فيها المغرب ، و ذلك من خلال تصدر حزب العدالة و التنمية الانتخابات التشريعية الأخيرة ، غير أنه رأى بأن هذا الحزب ليس هو  الإسلام كله ، وقد تمنى مجيء حركات إسلامية تطبق "شرع الله" أكثر حسب تعبيره ، بحيث اعتبر على أن المغرب لا يفرض الدين الإسلامي إذ أن  الدولة عاجزة عن تطبيق بعض مبادئ الإسلام (كالإعدام ، و قطع الأيدي ...) و تطبيق حق الردة حسب القانون الإسلامي وذلك لأسباب موضوعية . و قد تساءل عن الحقوق و مساحة الحريات  التي تضمن للبيراليين و الاشتراكيين و العلمانيين و السحرة في المغرب  بخلاف ما يضمن للإسلاميين الذين يتم التضييق عليهم  و يطلب منهم مراجعة أفكارهم و آرائهم؟ و أضاف على أن كل قانون لحقوق الإنسان (أشار إلى المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لا يعترف به إذا كان يتجاوز العقيدة و المبادئ الإسلامية  التي أنزلها الله و التي يجب أن تسموا على كل القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان .

       و من جهته اعتبر أحمد عصيد (ممثل الجانب العلماني) أن سبب تخلف المسلمين ليس في تخليهم عن دينهم ، بل عن تخليهم عن استخدام العقل وتعطيله في القرن الرابع  وهو إيذان بانحطاط الأمة  ، فالإسلام شامل لأنه مرتبط بالمجتمع البسيط و القليل التعقيد الذي ظهر فيه ، مضيفا على أنه لم يكن هناك تجديد فيه و اجتهاد مستمر يواكب التطور الإنساني الذي يتغير باستمرار ، و يتحمل مسؤولية ذلك الفقهاء الذين  فرضوا ثوابت و ضوابط على العقل حالت دون تجديدهم للدين . و أشار عصيد إلى أن العلمانية هي الإطار الوحيد الذي لا توجد فيه اقتتال داخل المجتمع و التي تضمن ثلاث ثوابت إنسانية علمية و سياسية و اجتماعية ، فأما علميا فالعلمانية تفرض على السلطة ضمان الاستقلالية للعقل ، و أما سياسيا فالدولة ملتزمة بالوقوف بنفس المسافة من كل الأديان و أما اجتماعيا فالعلمانية تضمن الاحترام و الإخائية داخل المجتمع لذلك يعتبر عصيد أن المغرب بحاجة إلى منع الهيمنة و الاستبداد باسم الدين من خلال ترسيخ العلمانية التي يجب أن تطبق وفق التقاليد المغربية مع عدم التعارض معها . فبالرغم من الهجمات المتكررة للإسلاميين على العلمانيين و المضايقة عليهم حسب عصيد فإن العلمانيين يدافعون عنهم و يساندونهم أثناء الاعتقالات التي تصدر ضدهم . و أشار إلى أن بعض القوانين الإسلامية مثل الرجم و الجلد و قطع الأطراف لم تعد مقبولة اليوم في ظل تطور الحضارة الإنسانية فضلا على أنها قوانين مرفوضة من بعض فقهاء الإسلام و هو الأمر الذي يثير التساؤل حول تماسك الفتاوى الدينية و توحدها.