samedi 12 mars 2011

السوسيولوجي ادريس بنسعيد : " الشباب هو طاقة خلاقة و هدرها مغامرة كبيرة للمجتمع المغربي آنيا و مستقبلا "ا




          حذر الأستاذ ادريس بنسعيد من  تهميش الشباب ، و اعتبر أن  الاستمرار في إقصائه مسألة لن تجدي نفعا في أي شيء ، بل  ستزيد من إنتاج  المشاكل  و الإشكالات  العميقة و المقلقة  للمجتمع المغربي  في حاضره و مستقبله .   
    ففي محاضرة له بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة  يوم الجمعة 11 مارس ، في درس سوسيولوجي تحت عنوان " الشباب و التغيرات السياسية و الاجتماعية بالعالم العربي" أكد بنسعيد على أن  أحداث و تفاعلات 20 فبراير هو أمر لا يمكن تجاوزه لا على مستوى الواقع و لا على مستوى التحليل .
    و في تحليله السوسيولوجي للأحدات و التطورات الراهنة بالمجتمع المغربي و ما  يعرفه  من تحولات  ،  وظف  الاستاذ بنسعيد مقاربة  سوسيولوجية    لموضوع الشباب في ديناميته داخل المجتمع المغربي ، و يتمثل ذلك في ثلاث مستويات إبستيمولوجية  ، و هي الفهم ، و التفسير ، ثم  مستوى الفعل.
    و قبل المرور للمستوى الأول كان  لا بد  من تحديد المفاهيم ، و المفهوم الأبرز في هذا الموضوع هو الشباب ،  فعلى المستوى السوسيولوجي يعتبر مفهوم الشباب حسب بنسعيد مفهوما ليس له حدود واضحة و مضبوطة ، و عليه فمن الصعوبة بمكان تحديده هذا علما أن الخصائص البيولوجية و العمربة  لا تهم علم الاجتماع بقدر ما يهم خصائص  هذه الفئة  خاصة داخل المجتمع المغربي .  و بالرغم من كل ذلك فإنه من  الملاحظ شبه إجماع على توصيف الشباب من طرف الفئات الاجتماعية الأخرى غير الشباب باعتبارها فئة منتجة للمشاكل بل هي مشكل في حد ذاتها .  وقد عرف المجتمع المغربي مجموعة من التحولات في عدة مداخل أهمها العزوبة و الذي سجل  في هذا المدخل تغيرات  على مستوى  مؤشر سن الزواج حيث ارتفع  من 17.5 سنة في  1960 إلى 29 سنة في 2004 بالنسبة للإناث ، وهو ما يفسر أن الزواج كآلية من آليات الاندماج الاجتماعي  كما تعتبر ذلك المجتمعات التقليدية  أصبح مؤجلا ل10 أو 15 سنة  ، بالإضافة ذلك هنا تغيرات على مستوى التمدن ، فمن نسبة  29 في المائة  التي كان يشكلها المجال الحضري سنة 1960 إلى 54 في المائة سنة 2004 ، و هذا المعطى  نتيجة للهجرة التي أدت إلى خلق العديدة من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية من انتشار لمدن القصدير و العنف ، و ارتفاع نسب الجرائم  ...إلخ .
       و بحسب الأستاذ بنسعيد فقد لعبت مجموعة من العوامل  في تهميش الشباب و تذويب طاقاته و قواه الإبداعية ، فعلى المستوى الاجتماعي الشباب مقصي من الأسرة و الحق في تأسيسها  ، و مقصي في اتخاذ القرار ، مما حدا به إلى إنتاج قيم و لغة و إشارات خاصة به . وبالإضافة إلى الإقصاء  الاجتماعي هناك الإقصاء الاقتصادي  الذي و بالرغم من عدم توفر المغرب على ثروات طبيعية فإن لديه ثروات بشرية شابة لا تستثمر بشكل جيد يتيح لها الاندماج اقتصاديا داخل المجتمع مما يؤدي إلى هدرها , و هو ما ينتج عنه البطالة  ... و الفقر ... ،كما يمكن إضافة الجانب المؤسساتي الذي يشكل هو الآخر آلية لإضعاف قوة الشباب و عدم الاستفاذة من تجاربها من خلال ضعف البنية التعليمية التي أصبحت مقتصرة على التعليم فقط ، و لم تعد تحمل أي مشروع تربوي خاص بها ، ما يؤدي إلى تفشي قيم سلبية كالغش و التغيب المستمر ...  ، هذا  دون الحديث عن دور الشباب التي  ما فتئت   تعتني بالأطفال و المراهقين على حساب الشباب . و لعل الإقصاء السياسي لهو أبرز المجالات التي يعاني منها الشباب ، فتحكم النخب القديمة في هذه الأحزاب و الصراع مع الشبيات المنضوية تحت لوائها ، فضلا عن فرض وصاية على الشباب من أجل الاعتراف به و بقدراته ، دون نسيان على أن هذه الأحزاب تعيد إنتاج الأفكار القديمة وهو ما نتج عنه عزوف سياسي كبير خلال انتخابات 2007 .
     إذن فالفئة الشبابية حسب الأستاذ بنسعيد هي مقصية و مهمشة إلى حدود كبيرة داخل المجتمع المغربي ، مما يفرض عليها الانتقال إلى آليات فعالة  تفتح لها الآفاق للتعبير عن أفكارها و تصوراتها ، و تأكيد وجودها ، و من ضمن هذه الآليات  العالم الافتراضي الذي يخول لها الاندماج بشكل يذوب كل معاناتها مع العالم الواقعي ، بالإضافة إلى ذلك  اتخاذ هذه الفئة الاحتجاجات كشكل من أشكال التعبير عن تصورات و طموحات لم تكن لتلبى داخل المستويات المهمشة فيها ، و هو ما أكدته حركة 20 فبراير .
   وقد عبر الأستاذ بنسعيد عن هذه  الحركة كونها تحتضن شكلين من الشباب ، شباب الصباح الذي ينتمي إليه الشباب  المتعلم و المثقف ، و الجامعي ...رسالتهم كانت تستهدف التبليغ على أن زمن المعاناة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية قد انتهي و المفروض  رفع كل الحيف و الضيم على كل القرارات و القوانين المجحفة و أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر  . و بالموازاة مع شباب الصباح هناك شباب المساء الذي يعاني بقدر كبير من التهميش و الذي و بعد انقضاء المسيرات الاحتجاجية خرج   ليبلغ رسالته بشكل مغاير متمثل ذلك بالعنف .
    أمام كل هذه الاعتبارات ، أكد بنسعيد على أن الشباب  طاقة خلاقة و هدرها  مغامرة كبيرة بالنسبة للمجتمع المغربي آنا و بصفة خاصة في المستقبل ، فبالرغم من الإصلاحات التي أعلن عنها و التي قدمت ، فإصلاح هذا الإشكال يستدعي شجاعة فكرية و حزبية و سياسية  عميقة ، فاسترجاع هذه الثقة للشباب و بالتالي اندماجه داخل المجتمع  رهين بالإنصات إليه ، و إلى مشاكله و تصوراته و أفكاره التي يطرحها و التي يريد التعبير عنها و تطبيقها ،  فإقصاء  سبعة ملايين مغربي  هو حيف يصفه بنسعيد بالأمر الخطير لما قد ينتج عنه مستقبلا من نتائج مقلقة و مجهولة ، إذن فضرورة الإصغاء للشباب هي ضرورة أكيدة  لاحتواء المخاطر التي قد يتمخض عنها ، و هذا الإصغاء يجب أن يكون عبر قنوات و مؤسسات ذات شأن وازن كالإعلام و مؤسسات الدولة ...و الجامعة ...
    فالثقة بين هؤلاء الشباب و المجتمع يؤكد بنسعيد هي ثقة مفقودة ، و من أجل استرجاعها لابد من صدمة سيكولوجية  تعيد الاعتبار لفئة الشباب ، و تعزز من فرص تأكيد وجوده و تحقيق مطالبه  التي يستهدفها .

mercredi 9 mars 2011

الأستاذ عبد الرحيم العنبي " التحولات التي يعرفها العالم العربي ، هي تحولات قيمية و ثقافية جديدة "


     


   في خضم  التغيرات الاجتماعية و السياسية التي تميز العالم العربي في هذه الآونة ، و في ظل الظروف المتسارعة التي تشهدها المنطقة ، عمل منتدى ابن خلدون لعلم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط  ، يوم الخميس 3 مارس 2011 انطلاقا من الساعة الثالثة بعد الزوال ،  على تنظيم ندوة تحت عنوان :" الحراك السياسي في المجتمعات العربية والمغاربية "  بحضور عبد الرحيم عنبي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن زهر  بأكادير .
     و لقد اعتبر الأستاذ عنبي أن الحديث عن هذا الموضوع في هذه الظرفية الدقيقة و الحساسة ، هي إشكالية للجامعي، و  خاصة للسوسيولوجي من أجل الإجابة عن أسباب و عوامل  هذه  التغيرات و التحولات العميقة التي يعيشها العالم العربي .
  وقد وظف الأستاذ عنبي مقاربة تقارن بين الاحتجاجات و الانتفاضات التي كانت تشهدها المجتمعات العربية منذ عقود ، و الحركية الاجتماعية الراهنة ، بحيث تدخلت مجموعة من التغيرات في جعل هذه الحركية تختلف عن سابقتها ، فانتشار التمدن و اتساع المجال الحضري على حساب المجال القروي  شكل نضجا فكريا لهؤلاء المحتجين و وعيا مكنهم من معرفة حقيقية أكثر  لواقعهم  ، علاوة على التحول الثقافي العميق المعبر عنه بالتكنولوجيا الحديثة و وسائل الإعلام و الإنترنت التي كسرت حواجز الحدود  الثقافية . هذا فضلا عن المدخل الديموغرافي الذي هو الآخر عرف تحولا  كبيرا  خاصة في قاعدة هرم الأعمار التي تعرف اتساعا كبيرا للفئة الشبابية التي كانت حاضرة بقوة و مهيمنة على هذه الانتفاضات.  و لم ينفي الأستاذ العنبي وجود الانتفاضات و الاحتجاجات السابقة في العالم العربي ، وانتقد فكرة  بروزها الراهن كشيء جديد على هذه المجتمعات -كما يعتبر ذلك الإعلام-  ، فحين تكتمل الشروط و تنضج لتكون هناك انتفاضة فستكون هناك انتفاضة بالرغم من ظهورها في مواقع معينة في العالم العربي ، بمعنى أوضح لا علاقة بالانتفاضات التي يعرفها العالم العربي بعضها ببعض إلا إذا كانت هناك أوضاع تحتمها و تفرضها  ، و هذا الحراك  لا يجب أن يتعامل معه  على أساس سلبي بل هو مؤشر على جملة من القضايا و المشاكل التي تعاني منها هذه المجتمعات .
    وبحسب الأستاذ العنبي فقد لعبت مجموعة من الاختلالات في تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و على الخصوص السياسية و الحقوقية ،  و تتمثل هذه الاختلالات في انعدام التواصل بين الدولة و النخب السياسية  التقليدية  التي  لا زالت أسيرة لمجموعة من التصورات  الكلاسيكية لتدبير الشأن المحلي من جهة ، و فئة الشباب التي لها مطالب و تصورات جديدة ، بحيث أن هذه الفئة لا تجد الفضاء الفعال و الحقيقي للتعبير و تفعيل آرائها ، مما يضطرها إلى اتخاذ الأسلوب الاحتجاجي ، هذا علاوة على تهميش دور الهويات المحلية الصغيرة  التي تريد هي الأخرى التعبير عن همومها و حاجياتها و مطالبها في الاندماج داخل المجتمع بما يقتضيه ذلك  من حفاظ على ثقافتها و مساهمتها في اتخاذ القرار . بالإضافة إلى كل ذلك يبقى حسب العنبي الاختلال الكبير هو الانهيارات المتتالية لمؤسسات الدولة ، بحيث أن هذه الدول منذ الاستقلال لم تستطع بناء دولة المؤسسات، فالزبونية ..وغياب التداول الديمقراطي للحكم ...و الرشوة ... و التزوير ...و المحسوبية والشبكات القرابية من المستوى العالي ،  تهيمن و تسيطر على اتخاذ القرارات ، و تتحكم في اقتصاديات بلدانها  مما يكرس التذمر و الرفض داخل المجتمع .
    و لكل ذلك يقول الأستاذ العنبي ، من المفروض تغيير أشكال التعامل مع الشباب و اعتباره فاعلا أساسيا  ، و خلق شبكات للتواصل معه  و إدماجه في مؤسسات الدولة و الأحزاب ، و الاعتراف بوجوده  ، بالطريقة التي  تعكس تعامل فرنسا مع هذه الفئة بعد سنة 68 ، لا التعامل معه كمستهلك .
   إن التحولات التاريخية التي يعرفها العالم العربي  ، هي تحولات  جديدة ، قيمية و ثقافية ..لحقوق الإنسان ...و الحرية ...و الديمقراطية  ، و عليه مطلوب القيام بدراسات سوسيولوجية على غرار فرنسا 68 ، تستهدف مقاربة الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالحركات الاجتماعية و الحراك السياسي و الاجتماعي داخل المجتمعات العربية  على أساس معرفي و علمي .