mercredi 23 novembre 2011

عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس :في تفكيك الخطاب "الخصوصي" ، سوريا نموذجا


       تسارعت الأحداث في "العالم العربي" ، منتجة بذلك أوضاع كان يعتبرها البعض حتمية و بديهية الوقوع ،  نظرا لتسلسل النكسات ، و الأزمات ، الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ....، و تجدرها بعمق  داخل هذه المجتمعات ، حتى أصبحت معاشة يوميا ، وتحولت إلى ظواهر عادية لا تنفك أن تكون لها حلولا و بدائل عملية و عقلانية . و هناك فئة أخرى ترى أن قدر هذا "العالم العربي" هو هذا الوضع "المتخلف"(حكم قيمة) ، الذي لا مناص منه ، و التفكير في الخلاص منه قد يؤدي إلى أمور أعقد و أصعب بالتالي يجب التوقف و الاستسلام له ،  فهل هذا التحول عرضي أم قصدي ؟ ألم تحكم توجهات مختلفة هذه المجتمعات ، فهناك الاشتراكية ، و العلمانية ، و الإسلامية(شبه الجزيرة العربية و السودان) ...؟ لماذا كلها أخفقت في تحويل مجتمعاتها إلى مجتمعات ناضجة عقلانية في تنظيماتها و تدبيرها الاقتصادي و السياسي والعلمي و حتى في تفكيرها ؟ لماذا لا يوجد نموذج مثالي لأشكال الحكم في العالم العربي نجح في تطوير مجتمعه ؟ أفعلنا نحن أمام حتمية تاريخية لا مناص لها ؟ أم أنها فقط فترة انتقالية في الصيرورة التاريخية "للعالم العربي"؟
     عند مقاربة الحالة السورية نجد أنها تدعي الحفاظ على كرامة و قوة المقاومة و دعم ما يسمى ب "محور الممانعة" من جهة ، و من جهة أخرى هناك آليات و وسائل أريد بها ضرب هذا المحور و تشتيته عبر "جماعات مسلحة" تريد إسقاط الشرعية التي يتفق عليها السوريون ، بالتالي لا مانع في أن يقضى على بعض السوريين و التنكيل بهم في سبيل مواجهة "المؤامرة " . يتضح لنا على أن هنالك طرح ينتمي إلى ما يسمى ب "الخصوصية" يدافع من خلالها عن الثقافة القومية في مواجهة الأطماع الاستعمارية الغربية ممثلة في إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا . و يرى عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس في هذا الطرح على أنه فاقد للصواب ، "فإذا كانت مقولات الخصوصية حاليا صحيحة في المعطيات التي تنطلق منها فخلاصتها خاطئة" بمعنى أن إعادة إنتاج البنيات الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية و الفكرية ...المتخلفة التي تحارب فكر وقيمة  الإنسان و تناهضه ،فعلى أساس هذه الخصوصية ستؤدي بنا إلى الانغلاق .  لكن القيادة السورية الآن تدعي الانفتاح على أحزاب و مكونات المعارضة و القيام بإصلاحات ديموقراطية  من شأنها أن تفتح المجال للتعبير و خلق تعددية فكرية و حزبية بالبلاد إلى غير ذلك من الإصلاحات ، وهي دعوة مبنية على أساس غربي بمعنى أن الطرح البعثي دائما كان إقصائي و "عنصري" و هو ما يثبته الدستور السوري الذي يمنع أي تعددية  أو تمثيلية حزبية  إلا للحزب البعثي و مكوناته ، بالتالي هذه الازدواجية ، بين الاقصاء و التهميش الذي استمر لأربعين سنة و بين الإصلاح "الترقيعي" المستمد أصوله مما حققه الفكر الغربي من تطور ،هذه الازدواجية بحسب محمد جسوس هي "محاولة لإعادة بناء نموذج  رأسمالي غربي ولكن بطريقة كاريكاتورية مشوهة تعتمد على آليات لا شعورية و على مكبوتات قوية جدا".

       لقد استطاع النظام السوري أن يستمر لمدة تزيد عن الأربعين سنة ، وقد نمى و تقوى بفعل الفترة التاريخية التي مر منها العالم العربي خلال الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي بفعل الصراع مع إسرائيل ، وقد كانت هذه المرحلة تقتضي دعما جماهيريا للنخب سواء المدنية أو العسكرية لمجابهة العدو و النهوض بالأوضاع و الترسبات التاريخية المتخلفة التي نتجت عن قرون من الاستعمار و الانحطاط  ، لكن التحولات التي كانت منشودة لم يكن لها المجال لأن ترى النور .
     يرى محمد جسوس أن  النظام يجب أن يبنى على أساس القناعة و المشاركة و أن تكون القيادة مبنية على أساس الإنجازات لا الزعامات ، الإنجازات القائمة على إحداث الاستمرارية و التقدم . بالتالي الارتكاز فقط  على "المنطق الثقافي الإديولوجي" الذي يعتقد من خلاله الأفراد أن لا مناص لهم من الخروج من أزمتهم أو الاعتقاد أن الفقر و الاستغلال و الضعف و استمرارية النظام "الديكتاتوري" هو أمر محتوم لا مراد منه و أن محاولة  تجاوزه يؤدي إلى المزيد من تفاقم الأوضاع ، هو ارتكاز لا أساس له من الصحة بالتالي فالخيار اليوم حسب محمد جسوس هو "الاندماج في التاريخ بكل مكوناته و مجابهة سلبياته و محاولة فرض ما لنا من قيم و اختيارات أما ما عدا ذلك فهو الظلام المطلق و هو فقط تحطيم بدون عناء و هو أيضا تكريس للأوضاع الراهنة".

dimanche 17 avril 2011

السوسيولوجي المغربي ادريس بنسعيد:" الثقافة ، في المتن الإيديولوجي ليس لها أي سند تاريخي أو علمي "




أكد عالم الاجتماع المغربي ادريس بنسعيد على أن المجال السياسي  الإديولوجي يغذي النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي توجد داخل المجتمع الواحد كما تؤكد ذلك الدراسات الأنثروبولوجية .

ففي لقاء  في إطار الدورة الثالثة  لمهرجان سلوان الثقافي ، بالخزانة الصبيحية  مساء يوم الجمعة 15 أبريل 2011 ، تحت عنوان "الثقافة و تعدد الهوية المغربية" بتنظيم من "جمعية سلا المستقبل "، أكد بنسعيد على أن  الوضع الحالي الذي يعيشه المجتمع المغربي يفرض علينا النظر و مساءلة الأدوات السوسيولوجية لمدى إجرائيتها و قدرتها على فهم الواقع ، معتبرا على أن النقاش الثقافي الذي رفعت شعاراته في الحركات الاحتجاجية لا يعد ثانويا أو تكميليا بقدر ما  هو أساسي و جوهري .
      وقد حذر من الانفلات في استخدام المفاهيم الأشد استعمالا خاصة ما يتعلق بالهوية و الثقافة  عندما  ينتقلان فيه إلى المجال السياسي . فالثقافة من المنظور الأنثروبولوجي هي كل ما ينتجه المجتمع و ما يستهلكه من رموز و تعبيرات و قيم قد تتجسد في حوامل مادية أو حوامل لا مادية .  و من  هذه الناحية أي الناحية  العلمية، فالمجتمع هو مزيج بين مجموعة من الثقافات  تتحول و تتغير بصفة مستمرة  و لا يمكن أبدا في هذا الإطار التعاطي معها بالمفرد  .  غير أنه من الناحية الإديولوجية الأمر مختلف ، تفرض النزعة الفردية للثقافة الواحدة التي تصبح المعيار الوحيد للحكم بصلاح أو فساد  باقي الثقافات الأخرى ، و تشتغل في إطار التوحيد و يتم تحويلها إلى ثوابت مقدسة ، كما تفرض التراتبية الثقافية باعتبار وجود الثقافة العليا و الأخرى الدنيا   التي لا قيمة لها ،  مما يكرس الإقصاء و التهميش لباقي الثقافات الأخرى ، فالثقافات في الأصل متساوية من ناحية القوة ، و تراتبها و تمايز الواحدة على الأخرى مرتبط ارتباطا وثيقا  بالهيمنة الاقتصادية و السياسية و الاستحواذ على سلطة القرار  . وقد نبه في هذا الإطار الأستاذ بنسعيد على طغيان ذلك على المجتمع المغربي المتعدد الثقافات ، و حذر من الثقافة التي تعتبر نفسها الوحيدة الحاملة  لقيم المجتمع المغربي  و الثقافة  الوحيدة  التي تعبر عن أصالة هذا المجتمع . كما اعتبر "أن المتن الإيديولوجي مؤسس لأوهام كبرى و لأصالة ليس لها سند تاريخي أو علمي و إنما على أصالة مبنية إيديولوجيا   تتحول تدريجيا إلى أداة  من أدوات الصراع السياسي ".
   أما فيما يتعلق بالهوية ، فقد اعتبر بنسعيد أن  هذا المفهوم ، مفهوم فلسفي فضلا على أنه مفهوم إديولوجي ، و ليس بواقع تاريخي أو اجتماعي بقدر ما هو بناء و يتخذ شكلين ، شكل أول و هو ما يسمى بالهوية العمياء  وهي أن هوية المجتمع  لا توجد فيه  ولكن توجد خارجه و خارج التاريخ ، كما أنها  توجد في تاريخ لا تاريخ له و  في زمن لا زمن له  أو في زمن يتم بناؤه ،  بالتالي لكي نتماها  مع هويتنا و مع أصالتنا يجب أن نرجع إلى هذا المرجع ، الذي نبنيه دائما إلا أنه لم يتحقق . و الشكل الثاني ما يسمى بالسلفية أو الأصولية و هو اختيار عصر معين أو زمن معين و اعتبار أنه الزمن المرجعي  و العصر المرجعي ، فهويتنا هي عندما نرجع إلى  تلك الفترة  المحددة كما بنيناها ، و هذه المقاربة السلفية متعلقة بالحركات الدينية المتفرعة خاصة من البروتستانتية  في أوروبا و بصفة أخص  في أمريكا  . في هذه الحالة تصبح هوية أي مجتمع من المجتمعات  هي بناء  تتدخل العديد من العناصر  فيه  و من جملتها  العناصر الثقافية.
   أما من جانب اللغة ، أكد بنسعيد على أن اللغة الفرنسية هي المفتاح الذهبي في كل الإدارات و تمارس بشكل مباشر من طرف النخب ، و هو أمر مقلق  للغاية ، كما أن نضال الجمعيات و الحركات الأمازيغية من أجل اعتبار ثقافتها ولغتها كأساس تشترك فيه مع العربية داخل المجتمع المغربي ، ينظر إليها بشكل غير إيجابي و تسقط عليها أحكام ليست موضوعية و منطقية. و هو أمر يستدعي تعميق المعرفة ، و الاهتمام بالشكل الكافي بالثقافات المغربية.

samedi 12 mars 2011

السوسيولوجي ادريس بنسعيد : " الشباب هو طاقة خلاقة و هدرها مغامرة كبيرة للمجتمع المغربي آنيا و مستقبلا "ا




          حذر الأستاذ ادريس بنسعيد من  تهميش الشباب ، و اعتبر أن  الاستمرار في إقصائه مسألة لن تجدي نفعا في أي شيء ، بل  ستزيد من إنتاج  المشاكل  و الإشكالات  العميقة و المقلقة  للمجتمع المغربي  في حاضره و مستقبله .   
    ففي محاضرة له بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة  يوم الجمعة 11 مارس ، في درس سوسيولوجي تحت عنوان " الشباب و التغيرات السياسية و الاجتماعية بالعالم العربي" أكد بنسعيد على أن  أحداث و تفاعلات 20 فبراير هو أمر لا يمكن تجاوزه لا على مستوى الواقع و لا على مستوى التحليل .
    و في تحليله السوسيولوجي للأحدات و التطورات الراهنة بالمجتمع المغربي و ما  يعرفه  من تحولات  ،  وظف  الاستاذ بنسعيد مقاربة  سوسيولوجية    لموضوع الشباب في ديناميته داخل المجتمع المغربي ، و يتمثل ذلك في ثلاث مستويات إبستيمولوجية  ، و هي الفهم ، و التفسير ، ثم  مستوى الفعل.
    و قبل المرور للمستوى الأول كان  لا بد  من تحديد المفاهيم ، و المفهوم الأبرز في هذا الموضوع هو الشباب ،  فعلى المستوى السوسيولوجي يعتبر مفهوم الشباب حسب بنسعيد مفهوما ليس له حدود واضحة و مضبوطة ، و عليه فمن الصعوبة بمكان تحديده هذا علما أن الخصائص البيولوجية و العمربة  لا تهم علم الاجتماع بقدر ما يهم خصائص  هذه الفئة  خاصة داخل المجتمع المغربي .  و بالرغم من كل ذلك فإنه من  الملاحظ شبه إجماع على توصيف الشباب من طرف الفئات الاجتماعية الأخرى غير الشباب باعتبارها فئة منتجة للمشاكل بل هي مشكل في حد ذاتها .  وقد عرف المجتمع المغربي مجموعة من التحولات في عدة مداخل أهمها العزوبة و الذي سجل  في هذا المدخل تغيرات  على مستوى  مؤشر سن الزواج حيث ارتفع  من 17.5 سنة في  1960 إلى 29 سنة في 2004 بالنسبة للإناث ، وهو ما يفسر أن الزواج كآلية من آليات الاندماج الاجتماعي  كما تعتبر ذلك المجتمعات التقليدية  أصبح مؤجلا ل10 أو 15 سنة  ، بالإضافة ذلك هنا تغيرات على مستوى التمدن ، فمن نسبة  29 في المائة  التي كان يشكلها المجال الحضري سنة 1960 إلى 54 في المائة سنة 2004 ، و هذا المعطى  نتيجة للهجرة التي أدت إلى خلق العديدة من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية من انتشار لمدن القصدير و العنف ، و ارتفاع نسب الجرائم  ...إلخ .
       و بحسب الأستاذ بنسعيد فقد لعبت مجموعة من العوامل  في تهميش الشباب و تذويب طاقاته و قواه الإبداعية ، فعلى المستوى الاجتماعي الشباب مقصي من الأسرة و الحق في تأسيسها  ، و مقصي في اتخاذ القرار ، مما حدا به إلى إنتاج قيم و لغة و إشارات خاصة به . وبالإضافة إلى الإقصاء  الاجتماعي هناك الإقصاء الاقتصادي  الذي و بالرغم من عدم توفر المغرب على ثروات طبيعية فإن لديه ثروات بشرية شابة لا تستثمر بشكل جيد يتيح لها الاندماج اقتصاديا داخل المجتمع مما يؤدي إلى هدرها , و هو ما ينتج عنه البطالة  ... و الفقر ... ،كما يمكن إضافة الجانب المؤسساتي الذي يشكل هو الآخر آلية لإضعاف قوة الشباب و عدم الاستفاذة من تجاربها من خلال ضعف البنية التعليمية التي أصبحت مقتصرة على التعليم فقط ، و لم تعد تحمل أي مشروع تربوي خاص بها ، ما يؤدي إلى تفشي قيم سلبية كالغش و التغيب المستمر ...  ، هذا  دون الحديث عن دور الشباب التي  ما فتئت   تعتني بالأطفال و المراهقين على حساب الشباب . و لعل الإقصاء السياسي لهو أبرز المجالات التي يعاني منها الشباب ، فتحكم النخب القديمة في هذه الأحزاب و الصراع مع الشبيات المنضوية تحت لوائها ، فضلا عن فرض وصاية على الشباب من أجل الاعتراف به و بقدراته ، دون نسيان على أن هذه الأحزاب تعيد إنتاج الأفكار القديمة وهو ما نتج عنه عزوف سياسي كبير خلال انتخابات 2007 .
     إذن فالفئة الشبابية حسب الأستاذ بنسعيد هي مقصية و مهمشة إلى حدود كبيرة داخل المجتمع المغربي ، مما يفرض عليها الانتقال إلى آليات فعالة  تفتح لها الآفاق للتعبير عن أفكارها و تصوراتها ، و تأكيد وجودها ، و من ضمن هذه الآليات  العالم الافتراضي الذي يخول لها الاندماج بشكل يذوب كل معاناتها مع العالم الواقعي ، بالإضافة إلى ذلك  اتخاذ هذه الفئة الاحتجاجات كشكل من أشكال التعبير عن تصورات و طموحات لم تكن لتلبى داخل المستويات المهمشة فيها ، و هو ما أكدته حركة 20 فبراير .
   وقد عبر الأستاذ بنسعيد عن هذه  الحركة كونها تحتضن شكلين من الشباب ، شباب الصباح الذي ينتمي إليه الشباب  المتعلم و المثقف ، و الجامعي ...رسالتهم كانت تستهدف التبليغ على أن زمن المعاناة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية قد انتهي و المفروض  رفع كل الحيف و الضيم على كل القرارات و القوانين المجحفة و أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر  . و بالموازاة مع شباب الصباح هناك شباب المساء الذي يعاني بقدر كبير من التهميش و الذي و بعد انقضاء المسيرات الاحتجاجية خرج   ليبلغ رسالته بشكل مغاير متمثل ذلك بالعنف .
    أمام كل هذه الاعتبارات ، أكد بنسعيد على أن الشباب  طاقة خلاقة و هدرها  مغامرة كبيرة بالنسبة للمجتمع المغربي آنا و بصفة خاصة في المستقبل ، فبالرغم من الإصلاحات التي أعلن عنها و التي قدمت ، فإصلاح هذا الإشكال يستدعي شجاعة فكرية و حزبية و سياسية  عميقة ، فاسترجاع هذه الثقة للشباب و بالتالي اندماجه داخل المجتمع  رهين بالإنصات إليه ، و إلى مشاكله و تصوراته و أفكاره التي يطرحها و التي يريد التعبير عنها و تطبيقها ،  فإقصاء  سبعة ملايين مغربي  هو حيف يصفه بنسعيد بالأمر الخطير لما قد ينتج عنه مستقبلا من نتائج مقلقة و مجهولة ، إذن فضرورة الإصغاء للشباب هي ضرورة أكيدة  لاحتواء المخاطر التي قد يتمخض عنها ، و هذا الإصغاء يجب أن يكون عبر قنوات و مؤسسات ذات شأن وازن كالإعلام و مؤسسات الدولة ...و الجامعة ...
    فالثقة بين هؤلاء الشباب و المجتمع يؤكد بنسعيد هي ثقة مفقودة ، و من أجل استرجاعها لابد من صدمة سيكولوجية  تعيد الاعتبار لفئة الشباب ، و تعزز من فرص تأكيد وجوده و تحقيق مطالبه  التي يستهدفها .

mercredi 9 mars 2011

الأستاذ عبد الرحيم العنبي " التحولات التي يعرفها العالم العربي ، هي تحولات قيمية و ثقافية جديدة "


     


   في خضم  التغيرات الاجتماعية و السياسية التي تميز العالم العربي في هذه الآونة ، و في ظل الظروف المتسارعة التي تشهدها المنطقة ، عمل منتدى ابن خلدون لعلم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط  ، يوم الخميس 3 مارس 2011 انطلاقا من الساعة الثالثة بعد الزوال ،  على تنظيم ندوة تحت عنوان :" الحراك السياسي في المجتمعات العربية والمغاربية "  بحضور عبد الرحيم عنبي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن زهر  بأكادير .
     و لقد اعتبر الأستاذ عنبي أن الحديث عن هذا الموضوع في هذه الظرفية الدقيقة و الحساسة ، هي إشكالية للجامعي، و  خاصة للسوسيولوجي من أجل الإجابة عن أسباب و عوامل  هذه  التغيرات و التحولات العميقة التي يعيشها العالم العربي .
  وقد وظف الأستاذ عنبي مقاربة تقارن بين الاحتجاجات و الانتفاضات التي كانت تشهدها المجتمعات العربية منذ عقود ، و الحركية الاجتماعية الراهنة ، بحيث تدخلت مجموعة من التغيرات في جعل هذه الحركية تختلف عن سابقتها ، فانتشار التمدن و اتساع المجال الحضري على حساب المجال القروي  شكل نضجا فكريا لهؤلاء المحتجين و وعيا مكنهم من معرفة حقيقية أكثر  لواقعهم  ، علاوة على التحول الثقافي العميق المعبر عنه بالتكنولوجيا الحديثة و وسائل الإعلام و الإنترنت التي كسرت حواجز الحدود  الثقافية . هذا فضلا عن المدخل الديموغرافي الذي هو الآخر عرف تحولا  كبيرا  خاصة في قاعدة هرم الأعمار التي تعرف اتساعا كبيرا للفئة الشبابية التي كانت حاضرة بقوة و مهيمنة على هذه الانتفاضات.  و لم ينفي الأستاذ العنبي وجود الانتفاضات و الاحتجاجات السابقة في العالم العربي ، وانتقد فكرة  بروزها الراهن كشيء جديد على هذه المجتمعات -كما يعتبر ذلك الإعلام-  ، فحين تكتمل الشروط و تنضج لتكون هناك انتفاضة فستكون هناك انتفاضة بالرغم من ظهورها في مواقع معينة في العالم العربي ، بمعنى أوضح لا علاقة بالانتفاضات التي يعرفها العالم العربي بعضها ببعض إلا إذا كانت هناك أوضاع تحتمها و تفرضها  ، و هذا الحراك  لا يجب أن يتعامل معه  على أساس سلبي بل هو مؤشر على جملة من القضايا و المشاكل التي تعاني منها هذه المجتمعات .
    وبحسب الأستاذ العنبي فقد لعبت مجموعة من الاختلالات في تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و على الخصوص السياسية و الحقوقية ،  و تتمثل هذه الاختلالات في انعدام التواصل بين الدولة و النخب السياسية  التقليدية  التي  لا زالت أسيرة لمجموعة من التصورات  الكلاسيكية لتدبير الشأن المحلي من جهة ، و فئة الشباب التي لها مطالب و تصورات جديدة ، بحيث أن هذه الفئة لا تجد الفضاء الفعال و الحقيقي للتعبير و تفعيل آرائها ، مما يضطرها إلى اتخاذ الأسلوب الاحتجاجي ، هذا علاوة على تهميش دور الهويات المحلية الصغيرة  التي تريد هي الأخرى التعبير عن همومها و حاجياتها و مطالبها في الاندماج داخل المجتمع بما يقتضيه ذلك  من حفاظ على ثقافتها و مساهمتها في اتخاذ القرار . بالإضافة إلى كل ذلك يبقى حسب العنبي الاختلال الكبير هو الانهيارات المتتالية لمؤسسات الدولة ، بحيث أن هذه الدول منذ الاستقلال لم تستطع بناء دولة المؤسسات، فالزبونية ..وغياب التداول الديمقراطي للحكم ...و الرشوة ... و التزوير ...و المحسوبية والشبكات القرابية من المستوى العالي ،  تهيمن و تسيطر على اتخاذ القرارات ، و تتحكم في اقتصاديات بلدانها  مما يكرس التذمر و الرفض داخل المجتمع .
    و لكل ذلك يقول الأستاذ العنبي ، من المفروض تغيير أشكال التعامل مع الشباب و اعتباره فاعلا أساسيا  ، و خلق شبكات للتواصل معه  و إدماجه في مؤسسات الدولة و الأحزاب ، و الاعتراف بوجوده  ، بالطريقة التي  تعكس تعامل فرنسا مع هذه الفئة بعد سنة 68 ، لا التعامل معه كمستهلك .
   إن التحولات التاريخية التي يعرفها العالم العربي  ، هي تحولات  جديدة ، قيمية و ثقافية ..لحقوق الإنسان ...و الحرية ...و الديمقراطية  ، و عليه مطلوب القيام بدراسات سوسيولوجية على غرار فرنسا 68 ، تستهدف مقاربة الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالحركات الاجتماعية و الحراك السياسي و الاجتماعي داخل المجتمعات العربية  على أساس معرفي و علمي .

dimanche 13 février 2011

الجملكيات العربية ، لقد نسوا بأن الليل مصيره الانجلاء و الديكتاتورية إلى الزوال




      لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين في العالم العربي  ، أن يصل يوم تكون فيه معظم الأنظمة العربية  في موقع  بئيس ،  هزيل، و  تحت منطق الهزيمة و إثبات فقدان الشرعية . و لم يكن أحد ليستطيع التفكير و لو لثوان معدودة في الدمار الذي لحق ببعض هذه الأنظمة التي ظهر  و على مدى طويل جدا على أنها لم تكن تعبر عن إرادة الشعوب و لا لتطلعاتها في إحقاق الحق و الديمقراطية و  تثبيت الحريات العامة و الفردية و تطبيق القوانين و العمل على  خدمة الشعوب و الدفاع عن مصالحها ، إن هذه الثورات و الانتفاضات ، لهو أكبر دليل على غش و تحايل و الشطط في استعمال السلطة  التي مارسته هذه الأنظمة ، وفي هذا نستحضر بعض الأحداث التي عرفتها هذه الانتفاضات و التي شكلت عوامل و أسباب غيرت مسرى التاريخ و قلبت في أيام معدودة نظاما بائدا مستبدا ديكتاتوريا .
        سنتناول في هذه المقالة بالأحداث و تفسيراتها لانتفاضتين أو بالأحرى ثورتين تاريخيتين لشعبين رزخا تحت حكم رئيسين  لعشرات السنين ، تونس 23 سنة ، و مصر 30 سنة ، و كيف أنهما يتقاربان في أشياء كثيرة  لا على المستوى السياسي أو الحقوقي و حتى البنية الاجتماعية إلى حد كبير .
     تعددت أسباب سقوط الرئيس بن علي ، و النظام الذي كان يديره و ذلك لارتكابه أخطاء تاريخية حسبت ضده ، غير أنه و بالرغم من ذلك و إلى حدود الشهور الأخيرة من السنة الفارطة سنة 2010 ، كانت تتقاطر التقارير الإقليمية و الدولية تظهر أن المنهج الاقتصادي التي تتبناه الحكومة التونسية يساهم فيما لا يدع مجالا للشك في ازدهار البلاد و تقدمها على مستوى مؤشر التنمية البشرية ، لا بل الوضع الاقتصادي لتونس أفضل حال من اقتصاديات  بعض الدول الأوروبية مثل البرتغال و إيطاليا و اليونان حسب تقرير دافوس السنوي لسنة 2009 ،إن الاقتصاد محور فقط من المحاور التي استهدفت الدولة التونسية تنميتها ، ذلك أن هناك مجموعة من القطاعات شملتها التنمية كقطاع الصحة و التعليم و نجاعة سوق الخدمات ....إلى غير ذلك من المجالات و الميادين و القطاعات ...وإذا كان  الوضع  القوي لتونس على مستوى التنمية الاقتصادية و التعليمية حاضرا و مهما و مؤثرا  في منطقته الإقليمة ، فإن الاقتصاد المصري لا يقل عنه أهمية ذلك أن هناك مجموعة من القطاعات تساهم بشكل كبير و وازن في إنعاش الناتج الداخلي الخام ، فالاعتماد على السياحة و الزراعة و استغلال الموارد الطاقية التي تزخر بها مصر و تشجيع الاسثمارات الخارجية و بناء قوة صناعية قوية و إعلام كبير و مؤثر ، كل هذا لعب دورا بارزا في تقدم مصر و نمائها و احتواء مجموعة من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية وهو ما أضاف لها نقاطا مهمة في التنمية البشرية التي تنهجها . إذن لماذا الثورة ؟
      قبل أن نتحدث عن تطورات الثورة  التونسية  و الثورة المصرية و تداعياتهما و النتائج التي أفضت إليهما و التي قد تتوضح   في مستقبل الشهور المقبلة ، باذء ذي بدء ، سنحاول التطرق لأهم الأسباب التي كانت مفصلا في انفجار هذين الثورتين  الشعبيتين إلى العلن و إلى الواقع ، و لعل من أقوى هذه الأسباب  في الجانب  التونسي هو  23 سنة من حكم زين العابدين بن علي ، بحيث أنه لم يتصور  أن الأجيال التي كانت تتوالى قد  تجاوزها بسنه و  أنه وصل إلى 75 سنة ، بمعنى أوضح أن السياسة –بشكل عام – التي كانت تمارسها الدولة سواء ذات المصلحة الفردية أو الجماعية ، لم تعد تفيد الواقع ، و تكاد تكون تتناقض مع تطلعات المجتمع ، أكثر من ذلك ، الإحباط و التذمر الذي ساد داخل المجتمع و المعارضة الذي تمثله و كل الأطياف الحقوقية  عندما سادت أخبار تؤكد على  تولي زوجته ليلى مقاليد السلطة بعده سنة 2014 بطبيعة الحال عن طريق          " انتخابات رئاسية"  و هو ما  يبرز أن إدارة الدولة تنتقل من شخص إلى آخر داخل أسرة واحدة و لها نفوذ واسع داخل البلاد ، و هو ما يؤكد أيضا أن كل أشكال الترهيب و المكر السياسي الذي مورس من قبل سيمتد إلى ما لانهاية ، مما يحتم على الشعب البقاء في الوضع نفسه لا جديد و لا تحول يلوح في الأفق . و بالضبط هذا ما  يقع في الأنظمة العربية الأخرى  و في مصر تحديدا ، فقد تمسك مبارك بالسلطة لمدة 30 سنة  منذ سنة 1981 ، على إثر اغتيال السادات ، فمنذ ذلك الحين وهو يؤكد على التغيير و نحو المجتمع الأفضل،  و نحو ديموقراطية و حرية أكثر غير أن ذلك كان بشكل عكسي كلما دعا إلى الديموقراطية كلما كانت الديموقراطية تتدهور و الحرية تتأخر إلى أن أصبحتا تشكلان نذرة في تلك المجتمعات  ، و قد ترددت أيضا أنباء عن ترشح إبنه جمال لرئاسة مصر ، الشيء الذي كرس الإحباط و التوثر و القلق في الشعب المصري باعتبار أنها لم تصبح دولة بنظام جهموري بل أصبحت إلى جانب تونس و أنظمة عربية أخرى  " جملكيات " بمعنى أنها نظام جمهوري لكنه متوارث عبر أسرة واحدة تمرر الرئاسة فيها من فرد إلى آخر ، و بالتالي إقصاء الشعب بكامله في تحديد نوع الرئيس المختار و المجمع عليه . هذا إذا اعتبرنا أن في الانتخابات يتم التزوير و الرشوة  و كل أشكال الفساد الأخري و استعمال جميع الوسائل التي تستهدف نجاح شخص بعينه في الانتخابات . و نستنتج من هذا أن هناك مافيات سياسية فاسدة لها مصالح مشتركة في عدم فتح أي فرصة لأشخاص آخرين للفوز بالانتخابات ، بحيث تبث من خلال العديد من التقارير الدولية و المخابراتية أنه في تونس و مصر  هناك أفراد و  عائلات محددة لم تكن في السابق تمتلك الأموال و الثروات الهائلة من قبل و في فترات وجيزة أصبحت تتحدث بالملايير و تمتلك يخوتا و قصورا و فنادق بملايير الدولارات  نتيجة لسرقة الأموال العامة و تفويت أراضي بأثمان بخسة لكبار المستثمرين ، في حين أن الشعب يرزخ تحت نير البطالة و الفقر المدقع ، و القهر و الاستبداد و التهميش و الإقصاء و ازدياد الهوة بين  الفقراء و الأغنياء و استحواذ الأغنياء على النصيب الأكبر من  ثروة البلاد والتحكم في  المال و  السلطة و النفوذ  . و ما ينتج عن ذلك من تقهقر علمي و فكري و معرفي جراء الفساد الذي يحتم هذا التقهقر لألا  يكون هناك فئة  من الأشخاص الذين يستطيعون استخدام عقولهم لتفسير الأنساق السياسية و الاجتماعية التي تعيش فيها معظم الشرائح الاجتماعية قهرا و قسرا  و هو ما يؤكد على التراجع المستمر و الكبير للدور الفكري العربي في هذا الشأن ، و لعل أبرز دليل هو ما جاء في قول أحد السوسيولوجيين المغاربة أنه إذا كان الغرب يعيش أزمة فكر فإن العالم العربي يعيش أزمة الأزمة.

     فهما إذن نظامين ديكتاتوريين شموليين  يتحكم فيهما  الحزب الواحد و هو الحزب الدستوري في تونس و الحزب الوطني في مصر ، و من أجل إعطاء تلك الصورة القوية للحزب ، فمنتسبي كلا الحزبين يتجاوز الثلاثة ملايين منخرط و معظمهم من رجال الأعمال ، و الموظيفين المقربين من السلطة ، و لا مجال لأبناء الشعب للدخول في هذه الدائرة التي تحدد شروطا  للانتماء إليها  لا توجد إلا عند أشخاص معينين ، و ذلك  من أجل القطع مع أي شخص له رغبة في الانتقاد  و المعارضة . ثم من جهة أخرى  إرسال رسالة  للرئيس بأن كل شيء متحكم فيه و مسيطر عليه من لا من الجانب الاقتصادي و التجاري و لا من الجانب الأمني الذي يراهن عليه كثيرا و هو الجانب الذي تبدع و تتفنن فيه هذه النخبة ، فلا وقت لديها لتتفرغ و تنصت إلى هموم الشعب و تعمل على سد حاجياته ، فمصر مثلا بين الحين و الآخر تجتاحها أزمة " رغيف العيش " و ذلك إما لتدني جودته أو لزيادة سعره أو أن العرض لا يوافق الطلب  ، و رغيف العيش هو أبسط الأشياء التي يفترض أن تعمل الدولة على توفيرها ، و على العكس من ذلك تماما فهي تقدم و بكل سهولة الأمن و القوة البوليسية للشعب ، فعديد الاعتقالات بين صفوف الإسلاميين و الشيوعيين في تونس و أحكام مجحفة في حقهم تصل إلى المؤبد ، زد على ذلك نفي العشرات إلى خارج البلاد ، أما في مصر لم تكن الأمور  أقل مصادرة للحرية من تونس  ، فاعتقال و اختطاف المئات خاصة من جماعة الإخوان المسلمين ، و التعذيب  ، و خرق القوانين و الدستور ، إلى درجة قتل العشرات من المواطنين تهمتهم الوحيدة  أنهم وجدوا في طريق  أفراد الشرطة و المخبرين ، وخير مثال على ذلك أشهر جريمة نكراء تلك التي تعرض لها خالد سعيد و هو شاب مصري عذب و ضرب إلى حد الموت أمام الملأ و أمام أصدقائه و عندما طلب  منهم سبب قتلهم له ،  قيل بأنه كان يمتلك قطعة من المخدرات ، و هو الذي تم نفيه من طرف أصدقائه ، و حتى إذا اعتبرنا أنه كان يمتلك قطعة من المخدرات هل من المفروض قتله بهذه البشاعة أمام الملأ ؟ أليس هناك قضاء و محاكم ؟ ثم ما ذنب هؤلاء و أولئك ؟ لما يقتلون ؟ لماذا يعذبون ؟ لماذا يذبحون ؟  إنهم لا يتوفرون على حرية و لا ديموقراطية ، فالسجون تملأ أعداد كبيرة منهم .
     لقد استطاع الحزبين الدستوري في تونس و الوطني في مصر من تدجين المجتمع  بكامل فئاته و شرائحه قسرا ،  لقد عملا على إضعاف المعارضة ، بحيث قاما باجثاثها و محو أي نشاط لها و السيطرة عليها و إقهارها ، فالانتخابات هي في نهاية المطاف اكتساح واسع للحزب الحاكم و دونه تبقى الأحزاب الأخرى فقط في نظر الحزب الحاكم ،  إما أن أفرادها هم خونة و عملاء لأطراف خارجية أو أنهم يريدون ضرب أمن و استقرار البلاد و تطورها و نموها ، إذن فهم ليسوا أهلا للدفاع عن الشعب ، لذلك سجلنا أن لا معارضة في تونس لا نقابات و لا أي منظمات  ضد السلطة باعتبار أنها مفتتة سابقا بشتى الطرق إما ترغيبا أو ترهيبا أو تزويرا ، إما باللين أو بقوة البوليس ،  كالذي جرى في مصر و هو موثق بالصور و التقارير  بحيث التزوير في الانتخابات جعل القضاء يحكم ببطلان  العديد من النتائج أكثر من  1000  قضية  تتعلق بالانتخابات رفعت في هذا الشأن تم تأكيد الفساد فيها غير أن تنفيذ هذه الأحكام لم تفعل من خلال السلطة التنفيذية مما جعل من الأحزاب المعارضة  تتذمر  ، مما أدى بأن لا تكون هناك  معارضة في البرلمان بتاتا فقط خمسة أعضاء ، و ذلك للتفويت و التصويت على   قوانين في الأصل لصالح فئة معينة ،  فدستور مصر يحدد قائمة من الشروط لانتخابات الرئاسة بحيث أنه نسبة 8 في المائة فقط  من المواطنين لهم الحق في الترشح ،  إضافة طرح دساتير على مقاس السلطة تعطى لفرد واحد فيها  كامل الصلاحيات في تدبير الشؤون العامة و الخاصة للبلاد و تمنع أي جهة أخرى  من المراقبة أو المشاركة ،  زد على ذلك   الحصار  الإعلامي الواسع الذي بموجبه تم احتكار المعلومة و توقيف عدة برامج  و صحف و إقالة مجموعة من الإعلاميين و الصحافيين  و فرض رقابة كبيرة على القنوات المحلية و إلزامها بشروط محددة مضنية و مجحفة ، إذا أرادت أن يكون عملها سهلا و سلسا ، لا من الجانب التونسي أو حتي من الجانب المصري ،   إذن القمع لم يقتصر فقط على الحريات العامة و الفردية ، أو صد  الأطرف التي  تحاول فضح  المعاناة و المأساة التي يعيشها المواطنون بل وصل القمع حتى للمجال الإعلامي ، إذ فهي أنظمة مغلقة تماما .  
        لقد حكم بالشعبين  بيد من حديد ، منحوا لهذه  الشعوب فرصة  البقاء على قيد الحياة ، لذلك لم يكن يتوقع أي أحد أن تأتي الهبة الثورية ، و لم يكن أحد ليتوقع أن هذه  الشعوب ليس عمياء ، أو مريضة  ، أو معوقة و باردة ،كما كان يدعي بعض المحللين ؛   و أن هذه الأنظمة هي الأقوى  و لا وجود لخلية أو حزب أو شخص أو جماعة تهدد وجودها , لقد أبانت على ضعف قاتل ، و حجم  صغير جدا  يجاور حجم بعوظة ،  و ليس بإمكانها فعل أي شيء أمام الإرادة الحقة و القوية للمواطنين الضحايا ، لقد سقط قناعها و انتهت المسرحية الهزلية التي كانوا يمثلونها و يخرجونها و يكتبون سيناريوتها ، لقد  قلب الشعب الطاولة عليها و تكشفت ألاعيبها و مناوراتها الفاشلة ، حقا إنها أنظمة فاشلة . كيف لمعطل بسيط بائع للخضر أن يكون سببا لثورة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ثورة تاريخية؟ثورة ياسمين !!ثورة فل !و ثورة جياع جياع للحرية و الديموقراطية و العدالة ! لا شك أنها ستأخذ مساحة واسعة من  التاريخ ، كيف يمكن للفايسبوك و التويتر و اليوتوب أن يسقط نظام مبارك الفولاذي ، مخابرات أمنية و عسكرية ، و أجهزة أمن الدولة  ، و المخبرون ، و البوليس ...كلها أجهزة سقطت سقوطا مضحكا مبكيا ، كيف لهذه الأجهزة أن تتراجع و ترضخ لإرادة التاريخ ؟

        كان الشاب البوعزيزي عاطلا عن العمل ، و باستغلاله للوقت الذي كان يضيع من حياته في البحث عن وظيفة ، عمل كبائع للخضار متجول في الشوارع ، و بطبيعة الحال كان من المفروض أن يكون مهموما مدحورا  قاطعا الصلة بالأمل ، فأوقفه أفراد من الشرطة و صادروا عربته التقليدية المهترئة  آخر مصدر لرزقه ، فأشعل في ذاته النار و قتل ، إنه لم يشعل النار في ذاته فقط ، إنه أشعل النار في المجتمع كله  ، لقد كانت النقطة التي أفاضت الكأس ، فبدأ الناس يخرجون زرافات زرافات منذ الأيام الأولى التي تلت الحرق ، من مدن  سيدي بوزيد  إلى صفاقس و سوسة إلى القيروان إلى تونس العاصمة  ، حيث اختفت الشرطة عن الأنظار في مدن كثيرة  من خلال ضعف مقاومتها للهبة الجماهيرية للشعب ، و يخطب بن علي ثلاث خطب في ظرف أقل من  شهر في إشارة منه لتلبية مطالب شعبه ،  وعدهم من خلالها بحرية  أكثرو  ديموقراطية أشمل و أوسع ، و  أوضاع اقتصادية و اجتماعية أحسن غير أنه تبين أن تلك الخطابات قد استهلكت في الماضي و  فات الأوان عليها الأوان  إذا اعتبرنا أنه طوال 23 سنة الماضية و هو يرددها و  لم يتحقق منها شيء ، فبدأت مطالب الشعب  تزداد مداها شيئا فشيئا ، و بدأت القوات  الخاصة  باستعمال الرصاص الحي بعد التأكد من عدم فاعلية الهراوات ، و القنابل المسيلة للدموع ،  و يعمد بن علي لإسقاط الحكومة بغاية تشكيل حكومة جديدة ، لكن الشعب رفض ،  و لم يكن له بد  سوى الإعلان عن حالة الطوارئ و نشر الجيش في أرجاء البلاد ، غير أن الخلاف بينه  و بين جنرال الجيش رئيس هيئة أركان الدفاع  أدى بهذا الأخير  إلى تقديم استقالته ، وقد اعتبرت هذه آخر أوراق بن علي ، و بالتالي لم يكن له بد من المغادرة ، و هو ما كان بالفعل ، لقد عمل الجيش على احترام إرادة الشعب و لم يستخدم ضده القوة  ،  لقد ترك بن علي  بعض الصقور المتوحشة لنظامه من حرسه الجمهوري ،  فانتشروا في أرجاء البلاد و عاثوا قنصا و قتلا في المواطنين التونسيين ، رصاص  حارق في الرأس ، القلب ، البطن ...قتل العشرات من الشباب ، و قد تأكد فيما بعد أنهم كانوا يخططون لنشر الفتنة و تسهيل رجوع بن علي للسلطة ، غير أن ذلك هو الذي لم يكن ، بل اعتقل منهم الكثير برئاسة جنرال و رئيس حرسه المتورط في القتل و الفساد المالي و السياسي ،  و قد عمد المواطنون إلى تشكيل لجان شعبية للدفاع عن مناطقهم و ممتلكاتهم من اللصوص ، الذين تبينوا فيما بعد أنهم من أتباع نظام بن علي .

   لعله من غير الصواب أن لا نقر بتشابه  و امتداد السيناريو المصري  للسيناريو التونسي  ، بالرغم من بعض الجوانب و النقاط التي اختلفت في الثورتين ، فشرارة الثورة المصرية هي حركة 25 يناير ، التي حثت المصريين  في مواقع الأنترنيت  بالخروج في يوم الغضب من أجل التعبير عن المعاناة و مأساة  الشعب المصري ، و هو ما كان ،  فقد خرج  عشرات الآلاف من المصريين منددين بالفساد و التزوير و انحطاط قيمة الفرد  إلى درجة " حيوان " و ابتلاع  حقوقه  و تذويبها ، فضعفت القوة البوليسية أمام  القوة الجماهيرية للشعب و غابت الشرطة في أرجاء البلاد بعد تراجعها و استنفاذ الوسائل المضادة التي استعملتها ضد الشعب ، نتج عنه تدهور أمني خطير و غير مسبوق ، تشكلت على إثره لجان شعبية تحفظ الأمن و الممتلكات الخاصة و العامة .  بعد ذلك تم نشر قوات خاصة قامت بقنص مواطنين عزل  ، زد على ذلك أعداد "البلطجية" الذين تم تأجيرهم لردم و نسف الانتفاضة الشعبية ، فقاموا بجميع أشكال الصد التقليدي فاستعملوا الجمال و البغال و الحمير و الأحصنة  و السكاكين  و مهاجمتهم عن طريق قنابل المولوتوف و العصي و خراطيم المياه و رميهم من أعلى أسقف العمارات الحجارة والقنابل لإضعاف المتظاهرين و  شق قوتهم  و إخلائهم من  الساحة التي كانوا يعتصمون بها  ، غير أنهم فشلوا في مهمتهم القذرة . تكرر سيناريو تونس في مصر فقرر مبارك إسقاط الحكومة ، و تعيين نائب للرئيس لأول مرة منذ 30 عاما ، و قيامه بتوجيه ثلاث خطب للشعب الذي كان يتحصن بميدان التحرير وعدهم من خلالها بحرية أكثر ديموقراطية أكثر أوضاع اقتصادية و اجتماعية أحسن غير أنه يتبين أن تلك الخطبة  قد فات الأوان عليها إذا اعتبرنا أنه طوال 30 سنة الماضية  لم يتحقق منها شيء فهل ستتحقق في ظرف 6 أشهر  ؟  .غير أنه و على العكس من  تونس عملت السلطات المصرية على قطع الإنترنيت و شبكة الهواتف النقالة من أجل أن لا تمتد  الثورة إلى مناطق واسعة من البلاد ، غير أن ذلك لم يشكل عائقا في خروج المئات الآلاف من المواطنين للتظاهر ضد النظام ، إضافة إلى قطع شبكة خطوط القطارات بغية الحد من تدفق المواطنين في المدن التي تعرف احتجاجات كبيرة  . إن المؤسسة العسكرية لعبت دورا جوهريا في هذه النهاية الحتمية ، فقد كانت تتخذ موقفا محايدا بحيث لم تقمع المتظاهرين و لم تستعمل ضدهم القوة ، ثم أنها لم تنقلب على الشرعية الدستورية لذلك و على غرار ما حصل في تونس أكد الجيش  التزامه باحترام مطالب الشعب و عدم مواجهته بالقوة من خلال مجموعة من البيانات تم إلقاؤها عن طريق التلفزات الرسمية  ، ثم من جهة أخرى  نجاح المجال الإعلامي الذي شكل وسيلة لنقل كل التطورات التي جرت بالصوت و الصورة ،  إما وراء الكواليس أو ما كان يقع في الشوارع و الميادين ، لقد كانت  القنوات المصرية الرسمية  تبث مناطق خالية من الجماهير و تؤكد على أن الاستقرار موجود و لا وجود لأي تظاهرة  و تبين بالصور مجموعة من الأفراد تقول أنهم يدعمون الاستقرار ببقاء الرئيس مبارك و تدعم حكومته و قراراته  و أن هناك أشخاص ركبوا الموجة بتفريق الأكل و الشرب و الأموال على الجماهير في ساحة التحرير من أجل التغرير بهم و بقائهم في الساحة في حين أن الحقيقة  غير ذلك  و أن هناك مئات الآلاف بل الملايين يهتفون بسقوط النظام .

    إن الديكتاتوريات حتما إلى الزوال ، إن الشعوب العربية  مما لا شك فيه كانت تحس بالذل و الإهانة و المأساة و المعاناة و التزوير و الرشوة و كل أشكال" الاستدحاش" و " الاستحمار " ، فاستدحاش أو استحمار شعب مصيره الفناء  و الا وجود ، بل العدم  ، إنها لم تكن شعوبا باردة أو معاقة  أو نائمة في السبات العميق ، إنها  في الحقيقة كانت تبحث عن النقطة التي بإمكانها استنهاض الهمم و بث الرعب في هذه الأنظمة و الانقلاب عليها  ، و الطريقة التي بإمكانها إسقاط الطغاة بدون خسائر ثقيلة ، فالشعوب لم تكن لتدري الماوراء قيام الثورة ، كانت تخشى الإبادة الجماعية و  القضاء على النوع العربي  ، لكنه تبين فيما بعد على أن الثورة الحقيقة و  الفعالة هي الثورة السلمية  التي لا تتبنى العنف ، و هو ما تميزت بهما  الثورتان  التونسية و المصرية . لأنه تبني العنف سيقابله العنف و سيكون الجميع ضد هذه الانتفاضة العنيفة و ستؤول على أنها تهدف إلى تخريب القيم و استقرار ليس فقط البلاد بل المنطقة بأسرها و هو الدافع الذي سيكون جوهريا لطلب الاستعانة من الخارج لصدها . يمكن أن نضيف هنا أن الانتخابات بطبيعة الحال يتم تزويرها ، كيف إذن لنتائج تفوق ال 93 و 95 بالمائة أن تكون حقيقية في ظل كلمة معظم  الشعب الذي خرج  يهتف برأس الرئيسين مبارك و بن علي ، إنهم المنتخبون الحقيقيون ليسوا بالمنتخبين المزورين  كما يقال عندما تعطى النتائج الرسمية للانتخابات  ، لقد منحوا هؤلاء الرؤساء لأنفسهم فرصا طوال عقود من الزمن يرددون في خطبهم أنهم كانوا يقضونها خدمة لشعوبهم ، إنه "الغباء التاريخي" ، لقد كانوا يكذبون و ينافقون شعوبهم و  يمتصون دماءهم و يكسرون عظامهم و يرمونهم للبطالة و الفقر و التهميش يأكل و ينهش  فيهم ,
      لقد عملت هذه الأنظمة على خلق  فجوة عميقة بين الشعب و مواطنيه ، فأصبح الأول يكره الثاني و يحقد عليه ، ذلك أن نظام الشرطة التي يتقاضى أفرادها و ضباطها  رواتبهم من أموال المواطنين ، و منوطة بهم  مهمة حفظ الأمن و الاستقرار ،  و الدفاع عن المواطن من اللصوص و المفسدين ، كان هذا النظام مساندا لهؤلاء ، و شرسا مع الآخرين ، لقد كانت  مهمتهم تستهدف تخويف و ترهيب المواطنين من أي فكرة أو موقف ضد السلطة قد يتبنوه،   بل أكثر من ذلك كانت  الشرطة تشن حملات مسعورة ضد الشعب و يمكن أن تقتل كما رأينا في حالة خالد سعيد  و كما  رأينا عندما دهست عربات الشرطة  المواطنين  خلال المظاهرات و قتلتهم  و رمتهم و أسالت دماءهم بدم  بارد لا رقيب و لا حسيب ، و في حالات كثيرة في تونس ،  كما يمكنها أن تعذب و تقمع و تستبد و تمارس  الشطط في استعمال السلطة..بدون مراقبة قضائية  مستقلة أو لجنة موضوعيةو مسؤولة   تستهدف فضح كل الممارسات الخارجة عن القانون...و أصبحت الشرطة  لا تبالي بأمر المجرمين الخارجين على القانون و الفاسدين و المفسدين الكبار برجال الأعمال  ذوي النفوذ بقدر ما  تستهدف المواطن الضعيف و المغلوب على أمره .
      إن الفقر مسألة طبيعية ، طوال التاريخ  الماضي الغابر هناك الغني و الفقير ، إن جدلية التناقض هذه موجودة في هذا  التاريخ ، إنه لا عيب في الدول  افتقارها للموارد المالية أو الاقتصادية لسد العجز  في المشاكل التي تتخبط فيها ، كم من دولة فقيرة استطاعت تدبير شؤونها و تسيير نفسها بشكل جدي و مسؤول ؟ إن المشكلة و العيب كل العيب  في هذه الأنظمة ليس في فقرها أو محدودية مواردها الطبيعية ، بل هو في فسادها المستشري و الذي يأكل ملايير الملايير من  الأموال كان بإمكانها حل جميع المشاكل التي تعاني منها البلاد ليس فقط ذلك ، بل بإمكانها تسديد كافة الديون التي عليها  ،  إن التنمية التي كانت هذه الأنظمة   تتغنى بها من خلال الشطحات الإعلامية التي كان روادها يدعمونها ، يجب أن نبعدها من تصوراتنا الوردية  ، بحيث أن التنمية  يمكن أن تفيد مجموعة على حساب مجموعة أخرى من المجتمع ، بمعنى أوضح ،  كيف يمكن أن نتحدث عن التنمية و نسبة البطالة تزداد  بشكل متسارع ، و نسب التضخم تسجل أرقاما جديدة ، و الهوة تزداد توسعا بين الأغنياء و الفقراء .
 إن بزوغ أي ثورة هو" عقد مع التاريخ "، بمعنى أوضح ،  أنه لا مجال لتغيير الأشخاص أو المجموعات أثناء قيام الثورة ، أو تقديم التنازلات ، إن هذا العقد الذي يجمع بين الثورة و التاريخ هو اجتثاث أولا للنظام القائم ليس باعتباره فاسدا أو أنه  لم يكن على قدر المسؤولية التي أرماها هو  نفسه على عاتقه  ، بل لأنه طبق " الغباء التاريخي" و سجل نفسه في قائمة الديكتاتوريات الغبية ، لأننا نعيش في القرن الواحد و العشرين ، في عهد التقدم  العلمي  و الإنساني و هو عهد بإمكاننا  الاستفادة منه  من خلال ما جد فيه من تطور ،  و أخذ العبرة و الموعظة من الديكتاتوريات التي كان مصيرها محتوما و بديهيا ألا و هو الزوال الذي لا محيد عنه . و هي أيضا "عقد مع التاريخ " بمعنى قطع  الصلة مع النظام القديم و تأسيس نظام جديد حر و  ديموقراطي و عادل  ليس لديه أي امتداد أو ارتباط بالنظام السابق الذي وجب  بث القطيعة الرسمية معه ، و كذلك تحذيرا لهذا النظام الجديد بأن مصالح الشعب هي العليا و أن لا أحد يمكن أن يهين المواطن و يحتقره مهما كانت الظروف .
      سئل ابن مبارك في أحد الندوات  عن مدى تجاوبه مع شباب الفايسبوك  و  هل لديه استعداد للإجابة عن أسئلتهم ، فكان رده الاستهزاء  و السخرية  و الضحك ، لم يكن يعرف أو يعتقد على أن شباب الفايسبوك  سيبخرون  أحلامه برئاسة مصر ، و أن شباب اليوتوب و التويتر و العالم الافتراضي قادر على إنجاز المعجزات ،لم يكن يدري بأن الثورة في إيران تمت بوسائل تقليدية و أن الثورتين الفرنسية و البلشفية قامتا بالحوار و الخطب في الشوارع صعب  حينها بعث رسائل لمسافات أطول . فكيف لها أن لا تقام في القرية الصغيرة . فهي إذا أول ثورةإلكترونية يشهدها التاريخ الحديث  .
    إن هؤلاء الشباب -في تونس و مصر- بدون مرجعيات سياسية أو دينية أو عقائدية  حققوا النصر ، إن  المدهش من كل ذلك  أنهم بدون قائد ملهم يقودهم ، كلهم يد واحدة ، مصالحهم واحدة و مشتركة  . افتخر الشعب و اعتز بهم لقيامهم بما عجز عنه آباؤهم  . و كان يتمثل لهم ذلك الحلم بالتغيير ،  بعيد بعد الدهر ،  ثقيل ثقل الكون ، و لا مجال حتى للتفكير فيه ، فقد قهقرت هذه  الأنظمة  الدور العربي في المنطقة  ، و أصبحت الشعوب العربية  مهددة أكثر من أي وقت مضى ، أوروبا النووية ، إسرائيل النووية ، إيران باكستان ،  الهند ،  الصين النووية  ، و العرب لا يملكون لا علما و لا معرفة و لا أدبا و لا جيشا  و لا أي شيء يمكن أن  يتشرف به العربي على مدى التاريخ ، إلا إذا كانت هناك اجتهادات فردية من هنا أو هناك . لقد أبان العرب و الشعب التونسي و المصري على الخصوص أن إرادة الشعوب لا تقهر ، كما أبانوا عن التحام و تضامن كلي و شامل فظيع و  رائع بكل المقاييس  بين جميع الشرائح و الفئات العمرية  سيشهد له التاريخ  و سيسجل على جباه كل جائر و محتال .

samedi 12 février 2011

حصيلة الانتقال الديموقراطي بالمغرب






في خضم الهدوء الذي يخيم على الواقع السياسي بالمغرب خلال هذه الفترة عملت حركة الأفق الجديد على تنظيم ندوة يوم 26 مارس 2010 بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس بالرباط ابتداءا من الرابعة بعد الزوال استضافت من خلالها مجموعة من الأطر و الباحثين في الحقل السياسي و الحقوقي انطلاقا من الأستاذ علي بوعبيد السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و عضو القيادة التنفيذية للحزب ثم محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية بالمحمدية و الأستاذ عبد السلام الشاوش عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي إضافة إلى كل من الأستاذين أحمد عصيد ناشط حقوقي و الأستاذ على بن الدين فاعل سياسي هذا و قد ترأس الناشط السياسي ياسين بزاز هذا الاجتماع و قد نظمت هذه الندوة تحت شعار" حصيلة الانتقال الديموقراطي و رهانات المغرب الممكن" تناول فيها الأساتذة الإطار العام الذي تم بموجبه انتقال السلطة بعد وفاة الحسن الثاني و صعوبة تدبير الشأن السياسي الديموقراطي على أرض الواقع

تطرق الأستاذ محمد ضريف إلى المجال العام الذي طغى على الفترة مابين 1998 و وفاة الملك الحسن الثاني ثم تسلم السلطة حيث أكد على أن حكومة التناوب فبعد وفاة الملك الراحل الكل كان يتنبه إلى شكل جديد للسلطة على اعتبار أن المرحلة تستوجب اتخاذ سياسات مخالفة تماما لما كان يمارس من قبل .لكن العهد الجديد لم يأتي بأشياء بل زاد من بلورة و استمرار السياسة السابقة.
إن الانتقال الديموقراطي أو العهد الجديد أصبح مقولة بدون مضمون فما بين سنتي 2002 و 2009 أفرغ هذا المفهوم من محتواه نظرا للتحركات السياسية لاحتواء المطالب المقدمة بالإضافة إلى وجود شكوك في انتخابات شتنبر 2007 على اعتبار أن النتائج غير طبيعية . ثم هناك بزوغ حزب جديد وهو حزب الأصالة و المعاصرة و الضجة المفتعلة التي قام بها عند تأسيسه و حضوره في الأغلبية ثم بعد ذلك في المعارضة كل هذه العوامل أدت لأن يصبح مفهوم الانتقال الديموقراطي مفهوما ميتا .
هذا فيما يتعلق بالأستاذ ضريف ما فيما يتعلق بالأستاذ علي بوعبيد فإنه تطرق لمسألة مهمة جدا وقد صاغها على شكل سؤال :
هل نحن قادرين على تطبيق القوانين الحاضرة أو لا ثم بعد ذلك الشروع في المطالبة بدستور جديد؟؟؟
وقد عمل على تعميق التوضيح ب أنه ليس هنا ديموقراطية على المستوى العائلي و لا على مستوى الشارع المغربي و لا على المستوى التعليمي... فكيف إذن المطالبة بدستور جديد اكثر ديموقراطية؟ بمعنى أن البناء الاجتماعي المغربي ليس بمقدوره استساغة دستور جديد وهو لا يطبق مواد و فصول الدمقرطة الحالية
بينما أكد الأستاذ الشاوش في حديثه إلى أن الانتقال الديموقراطي هو أكذوبة التاريخ ذلك أنه في فترة التناوب وقع المغرب في مؤامرة على الديموقراطية أحيكت سرا في دواليب السلطة العليا . إن إشهار الانتقال الديموقراطي هو في الحقيقة لمصلحة المؤسسة الملكية و هي المستفيذ الوحيد لشيوع هذا المفهوم . و بالتالي فإن الاشتراكية هي الوسيلة الوحيدة من أجل سحق و تحطيم كل هذه الأكاذيب
أما الباحث علي بن الدين فقد أكد على أن المغرب لم يدخل في تطبيق مضمون سياسة الانتقال الديموقراطي فالمسلسل الديموقراطي قد استنفذ و بالتالي يجب إعادة صياغة هذا النظام الديموقراطي . و الجهة التي يمكن أن تناضل من أجل هذا التحول هي اليسار لكن اليسار يعيش في ارتباك و شرخ و بالتالي يجب إعادة بناء الحركة اليسارية وهذه القضية ليست مهمة هذه الأخيرة بل هي مهمة كل الشرائح المغربية التي تتطلع إلى مستقبل أفضل
أما الأستاذ أحمد العصيد فقد تحدث بإسهاب عن الانتقال الديموقراطي بالمغرب ذلك أنه شكك في هذا المفهوم و اعتبره ملتبس و لاعلاقة له بالمغرب لا من قريب و لا من بعيد لأن الانتقال الديموقراطي حسب زعمه يكون بآليات ديموقراطية على اعتبار أن الإشارات و القرارات التي تـاتي من الأعلى و الأحادية هي التي أدت إلى عدم حدوث هذا الانتقال ، وقد طرح فكرة مفادها أن الديموقراطية هي إنجازات و مكاسب قد تكون الإنجازات و المكاسب حاضرتين و هذا هو التغيير الحقيقي أما إذا كانت الإنجازات و غابت المكاسب فليس هناك تغيير و بالتالي غياب الديموقراطية ففي العشر سنوات الأخير سجل المغرب عدة مكاسب لكنها مكاسب هشة لا تخدم الصالح العام كثيرا بقدر ما تكرس للهيمنة الأحادية . و في معرض حديثه فقد طرح الأسباب التي أعاقت هذا التحول ومن أهمها :
1- ازدواجية الدولة: الدولة المغربية لها واجهة عصرية وواجهة تقليدية منذ العصر الكولونيالي الاستعماري فالسلطة العليا لا ترغب في التخلص من البروتوكولات و المبادئ التقليدية لأنها تعتبرها من الأسس و الدعامات الأساسية للإبقاء على سلطتها و من جهة أخرى هناك الواجهة العصرية و هي إغراء الرأي العام و تمويهه بأن هناك تغيير في السياسات القمعية التي كانت تمارس في عهد الملك الراحل .
2 – آلية التغيير من فوق و الضغط الخارجي : هناك ضغوطات خارجية تمارس على الدولة خاصة من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية تؤثر في السير نحو التحول الديموقراطي بالإضافة إلى ذلك هناك شرخ بين النخب السياسية و المجتمع المغربي على مستوى التأطير و إذكاء الوعي السياسي
3- ضيق الإطار القانوني : حيث أن الواقع السياسي يحتم تغيير الدستور على اعتبار أنه لا يمكن أن نعمل بدستور الحسن الثاني فهذا الضيق القانوني يعتبر من الموانع الكبرى في التحول الديموقراطي ذلك أنه يجب أن تنطلق القرارات من الأسفل إلى أعلى وليس العكس .
4- ضعف الأحزاب السياسية و القوى المدنية: إن الدولة مسؤولة عن تراجع الأحزاب السياسية و إنهاك قواها و إحراق النخب السياسية و ذلك لفرض قرارات الدولة بدون مقاومة .
5- التدبير الظرفي يطغى الرؤيا الاستراتيجية: حيث أن الدولة المغربية تنهج سياسات المرحلة على المدى القريب جدا (الترقيع) و لا تنظر إلى المسائل العويصة و التي تستوجب اتخاذ تدابير على المدى البعيد و بعمق يمكن من خلاله إصلاح ما يمكن إصلاحه لألا تسقط في أخطاء هي في غنى عنها و بالتالي هذا لا يكرس سوى الإحباط و التوثر في الوسط السياسي .
وقد استنتج الأستاذ العصيد أن موانع الدمقرطة استمرت إلى العهد الجديد ممايؤكد على أن السلطة مطالبة بتعديل دستوري
في إطار الحديث عن هذا الموضوع تطرق الجميع إلى المسألة الأمازيغية و غيابها الفعال وصعوبة اندماجها في الواقع الاجتماعي إبان فترة حكم الملك الحسن الثاني فهذا الأخير لم يكن يبدي اهتماما كبيرا بهذه الثقافة و لم يكلف عناءا بالعمل على اعتبارها ركيزة من الركائز التي تكون الثقافة المغربية .أما في عهد الملك محمد السادس فهناك نشاط و تحركات لإحياء الأمازيغية و إيقاذها من سباتها كإدماجها في المقررات الدراسية و إنشاء جمعيات و مؤسسات تعتني بهذه الهوية لكن هذه المحاولات تفتقر إلى الجدية و الفعالية الازمتين

الأستاذ عبد الأحد السبتي "الكتابة الوطنية و إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية دافع فكري مع الوقت أصبح كسل فكري"




باب الرواح-نظم بالرباط يوم الجمعة 25 يونيو 2010 انطلاقا من الساعة التاسعة صباحا بجامعة محمد الخامس كلية الآداب و العلوم
الإنسانية بشراكة مع مركز طارق بن زياد مائدة مستديرة ردا على التقرير الذي قام بدراسة وضعية العلوم الإنسانية بالمغرب تحت عنوان "عودة إلى وضعية العلوم الإنسانية في الجامعة المغربية" وقد حضر لهذا اللقاء لتسليط الضوء على هذا التقرير كل من الدكاترة عبد الأحد السبتي ، محمد بريان ، عبد الحي المؤذن ، محمد الصغير جنجار و أحمد أبو حسن.

في رده على النتائج التي سجلت في التقرير ، عبر الأستاذ عبد الأحد السبتي عن استيائه العميق للحصيلة فالتقرير التركيبي تم بناؤه على أساس كمي وقد تم تغييب الجانب الكيفي فيه بمعنى أوضح أن الإنتاجات و المشاريع العلمية في العلوم الإنسانية بالمغرب تم تعدادها ولم ينظر إليها من زاوية الفعالية و القيم المضافة التي استطاعت أن توصلها و بحسب الأستاذ السبتي يمكن النظر إلى هدا التقرير التركيبي في ثلاث نقاط أساسية وهي :

مؤشرات الخلل : المؤشر الأول . بالنسبة لدليل الرسائل و الأطروحات إن المترشحين لنيل شهادة الدكتوراه يحضرون رسائلهم في مواضيع موجودة و بالتالي فإن الجدادي المركزي للأطروحات يطغى عليه التكرار هذا بطبيعة الحال ينعكس على طبيعة الإنتاجات العلمية بالإضافة إلى أن العدد الكبير من الأطروحات غير منشور.

المؤشر الثاني و يتعلق بالندوات المنظمة حيث أن الندوات بدأت في الجامعة و انتقلت إلى المجتمع ، يعني هذا أن الجامعي يستجيب للطلب الاجتماعي وينبغي لكي تكون للندوات حركية يجب على الفاعلين أن ينظموا و يبحثوا قبل و أثناء و بعد الندوة

الوظائف المعطلة: هناك مجموعة من النقاط الأساسية التي تطرق إليها الأستاذ السبتي في هذا الصدد حيث أكد على أن البنية التحتية هي ضرورية في البحث العلمي حيث نسجل شبه غياب لخزانات و مكتبات عالية الجودة كما و كيفا وهذا للأسف ينعكس بشكل مباشر على طبيعة و قيمة المشروع العلمي هذا علاوة على غياب التواصل سواء داخل المغرب أوخارجه للتعريف بالإنتاجات المغربية. بالإضافة إلى أن هناك عزوف حقيقي عن تقييم المشاريع العلمية بشكل منظم و دوري. كما نسجل أيضا أن المجلات المتخصصة ليست موجودة بالشكل المرضي بالإضافة إلى أن الحركية الجغرافية للطالب المغربي محدودة لأن القيود البيروقراطية الموجودة من الصعب أن تسهل عمل الطالب الباحث.

تراكمية الخلل : الدولة تعاملت مع الجامعة كمنتجة للأطر المدرسة و ليس كمصدر إنتاج باحثين يواكبون التطور الذي يشهده العالم ، ثم أن الكتابة الوطنية و إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية دافع فكري مع الوقت أصبح كسل فكري و هدا ناتج عن عدم الاطلاع على الانتاجات الغربية و عدم مواكبتها، و في الوقت الذي تتحدث فيه الدولة عن إصلاح التعليم كانت هناك قرارات زادت في الخلل كالمبادرة الطوعية التي أساءت في ما يخص التأطير و مراقبة الابداعات العلمية و الإشراف عليها حيث أن مدة البحث في العلوم الإنسانية أطول منها في العلوم الحقة . وبشكل عام يجب خلق مناخ جديد بين الباحثين و الطلبة الباحثين داخل الجامعة و القيام بدراسة سوسيوتاريخية على مستوى الجامعة . هذه القضية لها شأن اجتماعي لأنها تمس المغرب في ماضيه حاضره و مستقبله.




وفي مداخلة مركزية للأستاذ أحمد أبوحسن اعتبر في البداية أن التقرير فيه بعض الخلل و قد أضاع بعض الجوانب الأساسية ، فصياغة و بناء هذا التقرير قام به شخص واحد وهو الأستاذ الشرقاوي. هنالك 10 حقول درست في التقرير حيث أن كل فرد قام بالاختصاص في مجال معين و قد اعتمد على 300 مقابلة و 57 ألف منشور .ففي نظره أنه لو اعتمد بتقارير كل كلية على حدة بشكل من الأشكال ستكون النتائج أفضل .إنه من الضروري إعادة فهم العلوم الإنسانية خاصة و أن الجامعة المغربية بنيت على مفهوم نابوليون أي أن الجامعة يجب عليها خدمة الثكنة ، بخلاف الاتجاه الألماني الدي ينادي بالعلم من أجل العلم .إن إعادة بناء العلوم الإنسانية سيساعد على التدقيق و تغذية مشارعها العلمية. كما تطرق الأستاذ أبوالحسن إلى نوع الطلاب الذين يلجون إلى الكليات فهو إذن يجب إعادة النظر في هذه المسألة بتحقيق الانتقاء قبل الدخول إلى الكليات

وقد أبدى الأستاذ عبد الحي المؤذن أستاذ العلوم السياسية تعجبه و استغرابه كون التقرير التركيبي غير موجود في الجامعة و لم ينشر و لم يترجم إلى العربية ولم يعطى له حتى الأهمية في النقاش ،علاوة على أنه لم يبنى بطريقة دقيقة و بالتالي فهو يحتاج إلى التوضيح أكثر .كما أكد على أن هذا التقرير حقا لم يعكس ما في الأوراق التي تقدم بها الأساتذة وما جاء به التقرير هو التأكيد بأن الجامعة قد فشلت.هناك نقطة مهمة في التقرير المقدم وهي اعتماد مقارنة بين الباحثين و الباحثين غير المدرسين حيث أبان التقرير عن تراجع إنتاجات الباحثين الأساتذة بمعنى أن هناك خطاب غير جامعي يتفوق على الخطاب الجامعي .و يتساءل الأستاذ المؤذن كيف تم تصنيف إنتاجات كل من العروي الخطيبي والجابري و أساتذة آخرين....؟؟؟؟إن التقرير حسب رأيه ركز على الجانب الكمي و بالتالي تبقى النتائج مشكوكة فيها .إذا كنا نقارن بين وضع الجامعة المغربية المتردي مع نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية التي تفوقها بكثير فإنه يجب علينا كذلك أن نقارن بينهما على مستوى البنية التحتية. فالبحث العلمي في العلوم الإنسانية يتم تمويله من طرف الدولة بشكل كبير هذه الاستراتيجية لا تساهم فقط في تنمية البحث العلمي بل حتى في اتخاذ أفكار جديدة و استراتيجيات عميقة من هذه الإنتاجات العلمية يمكن للإدارة الأمريكية الاستفاذة منها .و في خضم دفاعه عن الجامعة المغربية اعتبر الأستاذ المؤذن بأن إنتاجات جامعة الأخوين باعتبارها جامعة خاصة فهي تبقى أقل إنتاجا و أقل ديموقراطية و أقل تعددا في الأفكار و الاتجاهات بين الفاعلين فيها بالرغم من مواردها الهائلة بالمقارنة مع الجامعات العمومية المغربية .وعموما يجب ضبط و توثيق المشاريع العلمية و تأسيس مركز للعلوم الإنسانية من أجل متابعة هذه الإبداعات العلمية بالإضافة إلى إعادة هيكلة بنية كليات العلوم الإنسانية و الاجتماعية و كليات الحقوق و الاقتصاد بالمغرب






 تطرق الأستاذ جنجار إلى التغيرات و التحولات التي طرأت على الجامعة المغربية و علاقة هذا التغير بالمجتمع حيث أن هذا الأخير مند بداية التسعينيات بدأ يفرض أجندته على الجامعة المغربية .و من التحولات التي ظهرت اللغة المستعملة حيث أن اللغة العربية على مستوى إنتاج الكتب الثقافية و الأكاديمية و رسائل الدكتوراه قد عرفت انفجارا واضحا ، فما بين سنتي 1965 و 1974 كانت عدد الإنتاجات أقل من 500 مشروع علمي باللغة العربية و ما بين 1993 و 2003 ارتفع الرقم ليفوق ال 6000 مشروع بمقابل أقل من 2000 إنتاج علمي باللغة الفرنسية في نفس الفترة. إذا هناك انقلاب من حيث اللغة في الكتب الثقافية الصادرة. وقد عرفت الجامعة المغربية تطورا ملحوظا أيضا في عدد الرسائل المناقشة حيث أنه خلال السبعينات لم تكن تتجاوز 350 أطروحة لترتفع بعد ذلك بشكل كبير خلال التسعينات إلى 3164 رسالة جامعية .وقد انخفض هدا العدد ما بين سنتي 2000 و 2007 إلى 2123 أطروحة . ومن بين من النقاط الأساسية و المهمة التي تناولها الأستاذ هو تصاعد الاهتمام في ميادين السوسيولوجيا و التاريخ و بقاء العلوم القانونية بنفس الحركية التي كانت عليها .و بالرغم من ذلك فإن الدراسات الإسلامية بعد الهامشية التي كانت تحظى بها أصبحت الآن تنافس الميادين الأخرى من حيث الاهتمام فمجموع الأطروحات المناقشة إلى حدود 2007 هو 913 بينها رسالة واحدة فقط باللغة الفرنسية ،وبذلك فقد تقدمت الدراسات الإسلامية على أهم الميادين الأخرى كالتاريخ 718 أطروحة ، و علم الاجتماع 321 رسالة و يلاحظ من ذلك حسب الأستاذ جنجار أن الدراسات الإسلامية منتجة كثيرا بالنسبة للأطروحات و الرسائل المناقشة بالرغم من حداثة هذه الشعبة و ما يمكن قوله دائما حسب الأستاذ هو أنه من خصوصيات هده الشعبة هو التكوين السريع و توزيع الشهادات دون إنتاجات علمية بعد هذا التوزيع ، بمعنى أن المترشحين الحائزين على شهادة الدكتوراه لا ينتجون أعمالا علمية بعد مناقشتهم لأطروحاتهم فمثلا الأستاذ محمد الروكي أستاذ الدراسات الإسلامية أشرف على 55 أطروحة بمعدل 4.23 سنويا منذ سنة 1994 إلى حدود سنة 2007، و قد كانت عدد الإصدارات العلمية المنجزة من طرف هؤلاء الطلبة الباحثين بعد نيلهم شهادة الدكتوراه 11 إصدار من بينها كتابين، أي بمعدل 0.20 بمقابل 48 عدد الطلبة الذين لم يصدروا أي مشروع علمي بعد مناقشتهم لأطروحاتهم بما نسبته 87.27 في المائة .و يتساءل الأستاد جنجار هل سيتمكن المجتمع من الاستمرار في فرض أجندته على الجامعة أم أن هذه الأخيرة ستحقق الاستقلالية؟؟؟


هذا فيما يتعلق بالأستاذ جنجار أما فيما يتعلق بالأستاذ محمد بريان أستاذ الجغرافيا اعتبر أن هذه الدراسة التي استهدفت إبراز أهم المشاكل و الاختلالات التي تتخبط فيها العلوم الإنسانية بالجامعة المغربية تبقى دراسة مهمة جدا وقد كان من الضروري أن تنجز.ففي سنة 2003 عملت الدولة بدراسة مماثلة لتوضيح أنواع الخلل بالنسبة للعلوم الحقة وقد أعطيت لهذه الدراسة تمويل هام و اهتمام كبير إضافة إلى ذلك فقد قام بهذه الدراسة مجموعة من الأطر الأجنبية و قد راعت فيها جملة من الاعتبارات تتعلق بالدقة المتناهية في تجميع المعلومات ،بخلاف الدراسة التي استهدفت العلوم الإنسانية فالتقرير حسب رأيه قد غيب فيه ميكانيزمات التملك كون الدراسة اعتمدت على الاستبيان و الاستمارة ،حيث ملأ عدد قليل من الأساتذة هذه الاستمارات في حين تغاضى عنها آخرون وهذا ما انعكس بشكل مباشر على نتائج التقرير.

وفيما يخص حركية شعبة الجغرافيا في المغرب فقد سجل ما بين سنتي 1960 و 2006 234 أطروحة بالجامعة المغربية و 648 أطروحة بالجامعة الفرنسية بطبيعة الحال تتناول مواضيع عن المغرب . وبين سنتي 1962 و 2006 صدر 494 مقال علمي بمجلة جغرافية المغرب .وقد مر البحث العلمي في مجال الجغرافيا بالمغرب بأربع مراحل:

المرحلة الأولى وقد امتدت من سنة 1960 و 1973 هذه المرحلة كانت الانطلاقة الأولى للبحث العلمي في هذا الميدان، المرحلة الثانية من سنة 1974 إلى سنة 1980 وقد كانت فترة فراغ حيث تم فيها إغلاق الجامعة و تم إبعاد معظم الأساتذة و جلب أساتذة مصريين علاوة على تعريب العلوم الإنسانية، المرحلة الثالثة من سنة 1981 إلى سنة 1994 هذه المرحلة ارتفعت فيها الانتاجات العلمية حيث تم إعطاء الضوء الأخضر للبحث بكل حرية .و المرحلة الرابعة و الأخيرة من سنة 1995 إلى اليوم تميزت هذه المرحلة بانخفاض من حيث الإنتاجات العلمية ذلك أن الشهادات العليا أصبحت تساهم في إنتاج أساتذة و مؤطرين من أجل التوظيف فقط مما انعكس إجمالا في تراجع المشاريع العلمية، فبعد مناقشة الأطروحة يغيب الباحث عن الساحة العلمية.ومن ضمن المشاكل التي يعاني منها هذا الميدان هي أن جل مصاريف البحث تذهب في شراء الحواسيب بالرغم من وجودها بأعداد كبيرة و بالتالي فإن المصاريف في اعتقاده يجب أن تستهدف الاستكشافات و الأبحاث الميدانية .هذا بالإضافة إلى أن البحث العلمي الآن بشكل عام يمارس بطريقة فردية و بتمويل فردي في بعض الاحيان . إذن في فحسب رأي الأستاذ بريان يجب على الجامعات أن تنظم و تشرف على دورات تكوينية للأساتذة بالإضافة إلى أنه يجب الانفتاح على التطور الحاصل على المستوى الدولي و مقارنته بالإنتاجات المغربية و للوصول إلى ذلك لابد من نشر الأبحاث المغربية في المجلات المتخصصة و المصادر الإعلامية الدولية.

وقد أثنى الجميع على هذه المبادرة و قد اعتبرها جميع الأساتذة أول مبادرة تأتي خارجة عن المشرفين على التقرير .وتجدر الإشارة إلى أن عدد من الأساتذة الجامعيين و الطلبة الباحثين  حضروا هذا اللقاء للتعبير عن آرائهم و مناقشة النتائج و الحصيلة التي وصل إليها هذا التقرير.





في لقاء نظمه طلبة علم الاجتماع بالرباط بعنوان: تحولات المجتمع المغربي بنظرة عالم الاجتماع



نظم طلبة علم الاجتماع يوم الأربعاء 19 مارس 2010 بكلية الآداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط انطلاقا من الساعة العاشرة صباحا لقاء مع كل من الأستاذ الدكتور المختار الهراس و الأستاذ الدكتور إدريس بنسعيد أبرز السوسيولوجيين المغاربة الذين أثروا الخزينة الفكرية و المعرفية المغربية بإنتاجاتهم و دراساتهم العلمية و التي قدمت فهما منطقيا و تفسيرا موضوعيا للمجتمع المغربي في مختلف المجالات .
وقد تطرق الأستاذين إلى أهم المشاكل و القضايا التي يعاني منها الشاب المغربي ألا وهي شكل الممارسة السياسية التي تطبع الشباب في هذه الآونة و مسألة الجنس و علاقته بهذه الفئة العمرية .
بداية فقد طرح الأستاذ ادريس بنسعيد مداخلة مركزية عنونها ب" الشباب و المسألة الجنسية " .حيث أكد على أن مهمة السوسيولوجي في هذا الميدان ليس طرح الأسئلة فقط ، بقدر ما تكون مهمته البحث و التنقيب في مثل هذه القضايا ، ولا بد للسوسيولوجي في محاول منه للبدء في مشروعه العلمي أن يحدد المفاهيم الأساسية التي سيتعامل معها و هذا التحديد يكون بطريقة منظمة و مرتبة .فكل قضية تقع داخل مجتمع ما، هي قضية و موضوع لعلم الاجتماع ، ذلك أن علمية علم الاجتماع تجعله قادرا على بناء مواضيع للدراسة ، و في هذا الإطار تساءل الأستاذ بن سعيد : هل نحن في صدد الحديث عن فئة عمرية ؟
إن موضوع الشباب مفهوم مضطرب شديد الحساسية ، فكما يقول بورديو " الشباب هي كلمة ليس لها معنى عند بناء الموضوع السوسيولوجي". فلتحديد هذه الفئة يمكن لنا أن نرجع إلى عدة مجالات من أهمها الديموغرافيا و السؤال المطروح هنا: أي سن يبتدئ فيه الشباب و أين ينتهي ؟؟
فمن خلال هذا السؤال يبدو لنا من الوهلة الأولى أنه محيط بقدر كبير من الصعوبة .
يؤكد الأستاذ بن سعيد أن الشباب لا يرتبط بالمسألة الفيزيولوجية بقدر ما يرتبط بذهن و فكر الشاب و بناء عليه تتحدد لنا عدة مداخل لتفسير ذلك و هي :
1-) تحدد المنظمات الدولية و خاصة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة أن سن الطفل يبتدئ من الشهور الأولى إلى حدود سن 18 سنة .
2-) من الناحية السياسية كان يعتبر الأهلية السياسية في 21 سنة منذ أوئل القرن العشرين و قد تم خفض هذا السن إلى حدود 18 سنة. بالإضافة إلى رفع سن الزواج في مدونة الأسرة الأخيرة من 16 سنة إلى 18 سنة. وهذا المدخل هو مدخل إحصائي وهو نفسه يعاني من الاضطراب .
هذا فيما يتعلق بالمدخل الإحصائي .أما فيما يتعلق بالمدخل الآخر وهو المدخل الثقافي أو القيمي ، فالقيم عبارة عن نظام للترتيب بمعنى هناك قيم عليا و قيم دنيا .
إن الطفولة ، الشباب ، و الشيخوخة تشكل في المجتمع كقيم بالنسبة لكل فئة من هذه الفئات .
فالطفولة بصفة عامة كمرحلة مصادفة للبراءة ، لا يتمتع فيها الطفل فيها لا بالواجبات و لا بالحقوق بل هو في موضع المنصت فقط ، و عندما يصل الطفل إلى مرحلة النضج الجنسي أي البلوغ فإن الشباب خاصة الذكور يدخلون إلى الحياة الاجتماعية ، بمعنى أن لهم مكان داخل المجتمع . بخلاف الفتاة البالغة التي تخرج من الحياة الاجتماعية . و ذلك راجع للتقاليد و العادات التي يتشبع بها المجتمع المغربي لاسيما في البوادي تضطر الفتاة البالغة إلى التمسك بالبيت و أشغاله أكثر مما تتمسك بأشياء أخرى خارجه . و انطلاقا من هذا التفسير فإن الشباب يهم الذكور أكثرمما يهم الإناث.
أما فيما يتعلق بمرحلة الشيخوخة ، فالشيخوخة شيخوختان على حد تعبيره :
شيخوخة الرجل الذي كلما زاد في العمر كلما زاد حكمة و وقارا ، ثم شيخوخة المرأة التي كلما زادت في السن كلما كثر النداء عليها بالحمقاء و الشمطاء و التي لا تعرف شيئا .
و يجب الأخذ بعين الاعتبار هذه المداخل و المداخل الأخرى .
على المستوى الدولي و المستوى الوطني فإن المراهقة واقع سوسيولوجي و استراتيجي على اعتبار أن الأغلبية الساحقة للإشهارات تستهدف فئة الشباب أكثر من أي فئة عمرية أخرى لأنه يسهل إغراؤهم بالمنتجات التي تطرح في الأسواق.
إذن يتضح أن مفهوم الشباب هو مفهوم صعب الإمساك به .فما هو الشباب من الناحية السوسيولوجية ؟
هنالك العديد من المؤشرات بإمكانها تحديد هذا المفهوم ، و للتذكير فالمؤشر لا يكون له أي معنى إذا لم نقارنه مع مؤشرات أخرى :
من أهم التطورات الحاصلة و التي ساعدت على التحول الاجتماعي في المغرب خاصة الفئة الشبابية هو ارتفاع سن الزواج ففي سنة 1960 كان معدل سن الزواج لدى الإناث هو 17.5 سنة و في سنة 1984 ارتفع ليصل إلى حدود 23.5 سنة أما في سنة 2004 نتيجة للإحصاء العام الذي أجري فقد وصل معدل سن الزواج إلى 30 سنة تقريبا . و إذا اعتبرنا أن بداية النشاط الجنسي أي البلوغ عند الشباب قبل فترة الزواج هو 15 سنة ،و نعلم أن سن الزواج هو 30 سنة إذن 15 سنة من الممارسة الجنسية خارج الإطار الشرعي و هذا يفسر أن هناك" طاقة جنسية قوية داخل المجتمع" .
بالإضافة إلى هذه التفسيرات السوسيولوجية هناك ارتفاع نسبة الوعي و درجات التعليم لدى النساء مما يؤدي إلى تغيرات في المجتمع منها ارتفاع نسبة العنوسة .
بالإضافة إلى ذلك فإن المغرب كمجتمع لم يتخلص نهائيا من الأفكار التقليدية التي توجد بها قوانين غير مكتوبة مثلا هنالك اتفاق ضمني أنه يجب على الرجل أن يكون أكبر سنا و أكثر ثراءا و معرفة و قوة ...أكثر من المرأة ...هذا و يمكن أن نسجل مسألة أخرى و هي أن المجتمع المغربي عرف بكيفية سريعة جدا التحضر و ذلك بانتقال أعداد كبيرة من المواطنين القرويين إلى المجال الحضري وهدا يكرس الزيادة في مستوى الفقر و التهميش مما ينتج عنه الزيادة في نسب الممارسات الجنسية .
قبل 200 سنة كانت الممارسة الجنسية طبيعية و محدودة ، أما الآن فقد أصبحت الممارسات الجنسية لها عواقب وخيمة على المجتمع نتيجة أمراض خطيرة كالسيدا مثلا.
إن الجنس له وظيفتان أساسيتان:
وظيفة إجرائية و تتمثل في التناسل و يقتضي الأمر وجود أسرة.
ووظيفة أخرى و تتمثل في قوته الدافعة و يخلف بالتالي المتعة .
وعموما فمسألة العلاقة بين الشباب و الجنس هي من الناحية المجتمعية ناحية استراتيجية ، و بالنسبة لعلم الاجتماع هي ورش كبير و أولية كبيرة .

إذا كان اتخاذ الأستاذ بنسعيد لموضوع واقع الشباب و علاقته مع الجنس كموضوع مهم فإن موضوع الأستاذ الهراس لم يقل عنه أهمية حيث تطرق إلى علاقة الشباب المغربي و مدى ارتباطه بالسياسة من جهة و بالمجتمع المدني عبر الجمعيات من جهة أخرى ، ذلك أنه تساءل في البداية عن:
ما علاقة الشباب بالسياسة و الممارسة السياسية ؟؟
و ما علاقته بالعمل الجمعوي ؟ و إلى أي حد يمكن أن نربط ما بين العمل الجمعوي و السياسة ؟؟
نتيجة لدراسة ميدانية قامت في المغرب سنة 2006 مع 850 مواطن مع نسبة مرتفعة من الشباب ما يفوق عن 300 شاب سئلوا عن :
إلى أي حد يمكنهم الثقة بالأحزاب السياسية 39 في المائة لا يثقون بالأحزاب في حين أن 7 في المائة فقط هم الذين يثقون في الأحزاب السياسية
إلى أي حد يمكن أن يثقوا بالحكومة نسبة 38 في المائة يثقون في الحكومة و 35 في المائة لا يثقون فيها
نسبة 40 في المائة لا يثقون بالبرلمان و نسبة ضئيلة فقط 6 في المائة هي التي تثق بالبرلمان
السؤال التالي كان هو مع من يتحدثون في السياسة ما يقارب 44 في المائة يتحدثون مع أصدقائهم في السياسة ( أغلب هذه النسبة كانت ما بين 18 و 35 سنة). و 45 في المائة لا يتحدثون مع أصدقائهم في السياسة
50 في المائة يتحدثون مع زملائهم الطلاب في السياسة
35 في المائة يتحدثون مع الأسرة و 20 في المائة لا يتحدثون.
مدى معرفة الشباب للشخصيات المعروفة مثلا رئيس البرلمان 67 في المائة لا يعرفونه و 23 في المائة فقط هم الذين يعرفونه.
37 في المائة هم الذين يعرفون وزير الخارجية و التعاون المغربي
70 في المائة يعرفون الوزير الأول
81 في المائة يعرفون مدرب المنتخب الوطني و 15 في المائة لا يعرفونه
57 في المائة يعرفون الأمين العام للأمم المتحدة .
وقد كان ما نسبته 56 في المائة يقولون بأن التغيرات السياسية لا تؤدي إلى تغيرات في الأوضاع الاجتماعية .
الأنظمة السياسية النموذجية بالنسبة للمغرب
20 في المائة يحبذون النظام الفرنسي و النظام الأمريكي بدرجة أقل بكثير
هذه المعطيات تفسر: لماذا هناك عزوف سياسي في الانتخابات ؟
ففي دراسة لباحث سوسيولوجي حاول معرفة العوامل الحقيقية التي منحتنا النتائج أعلاه
من ضمن هذه الأسباب انه ليس هناك ديموقراطية داخل الأحزاب السياسية و حتى بالنسبة لمدافعتها على حقوق الشعب فاستفحال البطالة ...و الفقر ....تردي التعليم ....ارتفاع الأسعار...في ظل عدم تدخل الأحزاب بشكل مادي للدفاع و القضاء على هذه القضايا فإن العزوف عن الانتخابات جاء نتيجة لذلك.
هذا بالإضافة إلى أن الانتخابات كما جاء في الدراسة لا تكرس إلا الفاسدين و المفسدين الذين لا يهمهم الدفاع عن كرامة المواطن و حقوقه بقدر ما أنهم يدافعون عن مصالحهم الفردية و المشتركة فيما بينهم.
فالنخب السياسية تغير مبادئها كما تغير ملابسها على حد تعبيره .
إذا أردنا أن نفسر هذه الظاهرة فإننا سنفهم من خلال ما سبق أن الأحزاب السياسية لا تصغى بشكل واضح و صريح إلى آراء الشباب و طموحاتهم و آمالهم و تطلعاتهم .
بالإضافة إلى وجود تنافس و انشقاقات بين النخب السياسية داخل الأحزاب المنتمية إليها و هذا لا يزيد الأحزاب السياسية إلا ضعفا و ابتعادا عن المواطنين ، نسجل أيضا استمرار بعض النخب السياسية في ممارسة السياسة داخل أحزابهم و في مراكز القرار على مستوى السلطة بالرغم من فشلهم في الانتخابات و هذا لا يكرس إلا الإحباط و التذمر في صفوف المواطنين الطامحين إلى التغيير.
و من جملة الأسباب التي تساهم في عزوف الشباب عن ممارسة السياسة هو تركيز هذه الأحزاب على تاريخها و ماضيها و التضحيات التي قدمت في سبيل الحرية و المساواة و نبذ الفساد ،و نسيان أن المواطن الآن يعيش على إيقاع التضخم و المشاكل الاجتماعية و الأخلاقية و الاقتصادية الخانقة و يرغب بالتالي بأشياء ملموسة على أرض الواقع في هذه الفترة و حتى في المستقبل. وقد دعا الأستاذ الهراس إلى مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لأنها مسألة حيوية بالنسبة لمستقبل البلاد و خصوصا الشباب حيث يقول" يجب على الشباب أن يكون فاعلا في الحياة السياسية و مؤثرا فيها "
في ظل الظروف التي تساهم في هروب الشباب عن الممارسة السياسية فإننا بمقابل ذلك نجدهم منخرطون في العمل الجمعوي، فالجمعيات لها أهداف مادية وملموسة بالإضافة إلى تخصصها في ميدان محدد مثل الإعاقة ...مساعدات خيرية ....أنشطة ثقافية..... فالشباب بدأ يجد الديموقراطية في المجال الجمعوي أكثر منه في الأحزاب السياسية ذلك أن الجمعية هي مجال و فضاء حر لممارسة المواطنة و النضال و إيصال المعارف الهامة و المفيدة للآخرين و بناء أفكار و مقاربات جديدة ، و تعلم الشباب أن يتحدث في قضايا محددة و ملموسة و هؤلاء الشباب الذين يتمرسون و لديهم تجارب جمعوية سيحددون الديموقراطية السياسية و سيعطون حياة جديدة و نفسا حيويا للحياة الاسياسية في بلادنا إذا أعطيت لهم الفرصة . فالنضال اليوم ليس هو التحدث بصفة عامة بل النضال اليوم هو النضال الذي يحدد قضايا مقصودة ، النضال من أجل مساعدة الشباب لتجاوز الإقصاء و التهميش... من أجل المعوقين و المرضى الفقراء..من أجل تشغيل الأطر العليا المعطلة ....هذا من جهة و من جهة أخرى فالجمعيات لها مبادئ و قيم عليا ثابتة تحافظ عليها ، بخلاف الأحزاب السياسية التي تطرح برامج و مخططات لا تطبقها في أرض الواقع . وبالرغم من هذا كله فإنه يقول " أنا متفائل و متأكد على أن الشباب سيرجع إلى الحياة السياسية و سيعطي دينامية للممارسات السياسية... فمجتمع الشباب دائما يخلق دم جديد ".
إذن يجب إعطاء مجال أوسع للشباب داخل الأحزاب السياسية على حد تعبيره ، لأنه آن الأوان لكي نتجاوز تلك النظرة إلى هذه الفئة على أنها مصدر تهديد و مخاوف ، فكلما كان للشباب فضاء واسع للتعبير و إبداء الرأي بكل حرية كلما كانت النتائج و الحصيلة أفضل .