lundi 26 mars 2012

جــــــــــــــاك بـــــــــــيــــــــرك

   
          لم يكن تناولنا في هذه المقالة ل"بنية المجتمع المغربي" الماضي إلا تعبيرا على احتياجاتنا الفكرية و المعرفية  لشق طريق استيعاب مجتمع لم يكن كالمجتمعات الأخرى ، إذ كانت له خصوصيات لم تكن لتوجد إلا داخله و فيه و أثناء الممارسات بين أفراده . لم يكن أيضا المجتمع المغربي كالمجتمعات الأخرى إذا اعتبرنا المشاريع العلمية  المكثفة  سواء الاقتصادية أو السياسية أو السوسيولوجية -وهي الزاوية التي تهمنا في الحالة هذه- و  التي عمل الكثير من الباحثين على إنتاجها و صياغتها منطقيا  و موضوعيا و استهدافهم من خلالها الوصول إلى الحقيقة(النسبية) التي تتشعب و تتعقد- و تكاد تكون - متناقضة إلى حدود متناهية ، فإذا اعتبرنا أن عامل الجغرافيا  له دور كبير في التأثير على العلاقات الاجتماعية في مغرب القرون الماضية  و تشكله كسبب في "تكوين المجتمع المغربي" (بشكل عام)  ، و إذا اعتبرنا عامل التاريخ الذي كان مساهما في بث تأثيره أيضا على أفراد مجتمع رفضوا إلا أن يُكَونُوا نسقا من السلطة يشبه مثلثا "هم بداخله " (الزاوية، القبيلة ، المخزن) ، لكل هذه الاعتبارات و هذه الخصوصيات التي تميز بها المجتمع المغربي طوال قرون من الزمن  ، تفرض علينا بعض الإنتاجات العلمية في بعض الأحيان  الرجوع إليها قصد تفكيكها و استيعاب سطورها لنفهم بأي منطق كانت تعالج الظواهر الاجتماعية التي تخص المجتمع المغربي .
     من بين أهم السوسيولوجيين الذين كان تأثيرهم واضحا من خلال الدراسات التي قاموا بها ، و التحاليل السوسيولوجية للظواهر الاجتماعية البارزة في المجتمع المغربي في العقود السابقة نذكر عالم الاجتماع الفرنسي الأصل، الجزائري المولد جاك بيرك كأحد المفكرين و العلماء الذين أبدوا حماس كبير لفهم المجتمع المغربي . فكيف يقارب جاك بيرك المجتمع المغربي ؟ هل يمكن القول  أن الطرح البيركي للقبيلة يوافق الطرح الكولونيالي ؟
        بطبيعة الحال أن هذه الأسئلة تستفز تفكيرنا ، و تضطره إلى فهم و استيعاب  نتائج هذه الأبحاث ، و هو ما قام به الكثير من المتخصصين السوسيولوجيين منهم و المفكرين ، الغربيين و المغاربة ، على حد سواء ، على اعتبار أن معظم طروحاتهم و نماذجهم التحليلية كانت تتعارض فيما بينها ، بل أن بعضها ينتقد الآخر و يظهره على أنه ليس بالتفسير و التحليل الكافي و الحقيقي للبنية الاجتماعية المغربية (المجتمع القبلي).
     لقد استعمر المغرب بشكل رسمي في 30 مارس 1912 ، من خلال معاهدة فاس التاريخية التي بموجبها تم إخضاع المغرب لنظام الحماية ، أو بالمعنى الصريح للعبارة "استعمار" المغرب ، لقد استعملت الدولة المستعمرة ، فرنسا على وجه التحديد ، مجموعة من الأساليب ليكون دخولها للمغرب هينا  و ذو تكلفة بشرية و مالية قليلة الخسائر  ، و من ضمن هذه الوسائل و الطرق ، اتخاذ العلم كركيزة أساسية في فهم هذا المجتمع و تفسير أهم الظواهر  و الأسس التي يرتكز عليها ، و البحث عن نقاط الضعف و نقاط القوة لتدجينها حسب مقتضيات الأهداف العامة و الخاصة للإدارة الاستعمارية، "هذه الدراسات بدأت قبل الحماية أي قبل سنة 1912- و بعد ذلك امتدت لعشرات السنين- للتعرف على هؤلاء الناس و المجتمعات التي تريد الإمبريالية استعمارها . كيف يفكرون ؟ ما هو منطق تفكيرهم ؟ كيف يعيشون ؟"[1] ، و بالتالي  تسهيل عمل الجسم  الاستعماري  في السيطرة  و التحكم  في البلاد  .

      لقد كان لاحتكاك بيرك بمجتمع "المغرب الكبير" -كما يسميه هو- عن قرب تأثير كبير على إنتاجاته السوسيولوجية ، فقد تناول الظواهر الاجتماعية التي كانت تميز مجتمعات شمال إفريقيا من كونه فرد ينتمي لهذا المجال الجغرافي ، لذلك فقد كانت دراساته تصب في مجملها في هذا الإطار . و انطلاقا من كون المجال القروي هو المجال المهين في تلك الفترة على حساب المجال الحضري (المدينة) ، فإنه كان من المنطقي أن تصب معظم الأعمال التي أنتجها على الوسط القروي .  
      لقد اعتمد جاك بيرك بقوة في تحليله للظواهر الاجتماعية على التاريخ ،"إنه وقبل كل شيء مؤرخ اجتماعي للعالم الإسلامي"[2] ، "فقد حاول بيرك من خلال  تركيزه هذا على التاريخ الإلمام بكل الجوانب التي تهم حياة المجموعة  التي تناولها كموضوع للدراسة"[3]  "   فالتاريخ    يمثل في   آن   واحد   المنطق و النتيجة     في هذا البحث "[4](يتحدث عن البحث الذي قام به في كتابه "البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير") . بطبيعة الحال لم يكن التركيز على التاريخ فقط في مؤلفه السالف الذكر ، بل كان جوهر معظم الأعمال التي قام بها ، من حيث تناوله للمواضيع الدينية  عند "قبيلة سكساوة" مثلا، و الزوايا ، تاريخ تطور الدولة  المغربية منذ مجيء السعديين ... إلى غير ذلك من المواضيع . لعل هذا الحضور القوي للتاريخ في الأبحاث السوسيولوجية عند بيرك له دلالات عميقة ، و أبعاد أعمق باعتبار أن تفسير أي ظاهرة اجتماعية يكمن فهمها الحقيقي في تاريخ المجتمع الذي توجد فيه ، أو بمعنى آخر "كل معرفة سوسيولوجية لا يمكن أن تتخلص من التاريخ"[5] خاصة إذا علمنا أن هذا المجال الجغرافي "للمغرب الكبير" الذي كان مهد الدراسات التي قام بها بيرك يولي اهتمام كبير لتاريخه . "فالتحليل الاجتماعي التاريخي هو الذي مكن بيرك من فهم بعض مظاهر السلوك الجماعي و الخصائص العقلية و النفسية التي مازالت تتحكم بكل وزنها في العلاقة بين الأفراد و الجماعات ضمن جدلية الصراع الموروث عن الماضي"[6] .
     تجرنا أعمال جاك بيرك و الفترة الزمنية التي عايشها إلى الحديث عن مدى علمية إنتاجاته السوسيولوجية  ، خاصة إذا علمنا أن هذه الفترة الزمنية كانت فترة زاخرة في العطاءات السوسيولوجية و الأنثروبولوجية التي كانت غزيرة أنذاك، لكن بقدر غزارة هذه الأعمال ، بقدر ما تطرح أسئلة كثيرة عن تجاوبها مع الدقة الإبستيمولوجية ، والموضوعية في التحليل التي تتطلبها السوسيولوجيا  في أي مقاربة اجتماعية ، وفي هذا الإطار فقد رأى عبد الكبير الخطيبي أن الإنتاجات العلمية السوسيولوجية التي تناولت المغرب هي في حدود 97 ، بمعنى أن باقي الإنتاجات الأخرى ليست بالعلمية أو أن هنالك قصورا  إبستيمولوجيا فيها  . لقد تدخلت الأيديولوجيا بقوة و تخللت  معظم الأبحاث التي قام بها هؤلاء السوسيولوجيين الذين تناولوا الظواهر الاجتماعية بالمغرب بل "إن سوء حظ المغرب الحقيقي هو أن تاريخه كتبه لمدة طويلة هواة بلا تأهيل: جغرافيون أصحاب أفكار براقة ،وموظفون يدعون العلم،و عسكريون يتظاهرون بالثقافة ، و مؤرخو الفن يتجاوزون إختصاصاتهم، وبكيفية أعم مؤرخون بلا تكوين لغوي أو لغويون و أركيولوجيون بلا تأهيل تاريخي. يحيل بعضهم على الآخر ، يعتمد هؤلاء على أولئك،وتحبك خيوط مؤامرة لتفرض الافتراضات البعيدة كحقائق مقررة "[7].   غير أن هذا ليس بمبرر للاستغناء عن هذه الطروحات و النماذج التحليلية ، "فبالرغم من كون العلوم الاجتماعية الكولونيالية قد قاربت المجتمعات المغاربية كلها بخلفيات إيديولوجية مستوحاة من المشروع الاستعماري الذي كان يؤطرها ، فإنها استعملت من الناحية التحليلية النظريات و الأدوات المفاهيمية التي كانت سائدة في وقتها"[8] ، و على غرار ذلك  يرى أندري آدم (andré adam)   أن " السوسيولوجيا الكولونيالية هي سوسيولوجيا مهمة و لا يمكن تقديرها "[9]. تبرز أهمية هذه الدراسات السوسيولوجية كون أنه لم تكن هناك نماذج تحليلية بديلة عنها ، بالتالي الرجوع إلى هذه الأبحاث مسألة لا غنى لنا عنها ، و هو الأمر الذي لا يعطي أي مبرر للنزوح  عن تفكيك مفاهيمها و انتقاد النتائج التي توصلت إليها .
     من الصعب علينا أن نحدد ما  إذا كان جاك بيرك ينتمي إلى هذه المجموعة أو لا ، فإذا اعتبرنا موقفه من التدخل الاستعماري الفرنسي و مقاومته لهذا النظام و المخططات التي قام بها هذا الاستعمار لزرع المعمرين و فتح الأبواب أمامهم لاستغلال الثروات خاصة في المناطق القروية ،و استفادتهم من الأراضي الصالحة للزراعة على حساب سكان هذه المناطق ،  فإنه من المجحف اعتبار أن إنتاجات جاك بيرك لها خلفيات استعمارية أو أفكار و تصورات سابقة  أو أحكام قيمة وجاهزة  كانت له حماسة في تطبيقها على المجتمع المغربي من أجل تبرير ممارسات الإدارة الاستعمارية اتجاه  المغرب و المغاربة.يعتبر جاك بيرك مع باحثين آخرين "من الفرنسيين الذين انتصروا للعلم ضد الاستعمار و للمغرب ضدا على فرنسا و لتأسيس معهد للعلوم الاجتماعية يتكفل بإنتاج الأطر المغربية ضدا على استمرار التبعية الشاملة و الكلية لفرنسا في هذا المجال"[10].
       لقد انتقد جاك بيرك الإدارة الاستعمارية كثيرا ما خلق له مشاكل في عمله كمسؤول إداري ، ما أدى به في نهاية المطاف إلى "أن يتحول تحولا  جذريا في فكره السوسيولوجي في المغرب"[11]  بمعنى أن خلفيات تحليله للواقع الاجتماعي بالمغرب انبنت  على أساس تقدمي . فقد كان يظن في البداية  أن عمل الادارة الاستعمارية هو عمل لصالح المجتمع الذي تسيطره عليه و تتحكم فيه ، إلا أنه و بالاحتكاك اليومي و المعايشة اليومية و الملاحظات التي كان يسجلها اتضح له أن كل الممارسات و القوانين  الاستعمارية  المفروضة هي مجحفة لأفراد هذا المجتمع ، وقد زاد تأثير هذا التصور بعد تقديم عريضة الاستقلال و تنامي دور الحركة الوطنية في مجابهة هذا المد الاستعماري .
      لقد  كانت أهم إنتاجات جاك بيرك  هي التي تضمنها كتابه " البنى الاجتماعية في الأطلس الكبير" دراسة قام بها على قبيلة سكساوة ، فقد قدمت له هذه المنطقة فرصة لتعميق أبحاثه السوسيولوجية ، و قد "اختار بيرك هذه المنطقة بالذات باعتبار أنها لم تعرف أي تدخل للسلطات الاستعمارية إلى حدود سنة 1927"[12]، على اعتبار أن التدخل الاستعماري في مناطق أخرى قد غير من بنيتها (نسبيا)و علاقات أفرادها ، فمثلا كان هناك تواصل و علاقات بين القواد و الإدارة الاستعمارية أمثال لكلاوي ، القائد العيادي ....وكذلك تغير على مستوى بناء المؤسسات التقليدية و تراجعها ، إذ لم  تعد هناك استقلالية للقبائل ، فقد تم إخضاع أغلبها إما ترغيبا أو ترهيبا أو بالقوة لمطالب الإقامة العامة .  بالتالي دراسة منطقة لم يمتد إليها الاستعمار يعد أمرا مهما بالنسبة لجاك بيرك .
      بطبيعة الحال ، كانت قد سبقت دراسات جاك بيرك دراسات أخرى تناولت مختلف المواضيع التي كانت تؤرق الفكر السوسيولوجي أنذاك ، و كانت تطرح مجموعة من التساؤلات و الاستفهامات حول هذا المجتمع ، ولذلك فقد حاول جاك بيرك أن يقيس مدى صحة و إجرائية  أحد أهم النظريات التي هيمنة بشكل أو بآخر على الباحثين الكولونياليين في مقاربتهم لبنية المجتمع المغربي ، نتحدث هنا عن ظاهرة "اللف"  كما قاربها روبير مونطاني .
     لقد استنتج جاك بيرك مجموعة من النقاط الأساسية و اعتبرها مهمة في دراسة مجتمع "المغرب الكبير" . إذ لاحظ على أن ارتكاز القبيلة على الجد الأكبر  كأصل مشترك بين العشائر و العائلات المكونة للقبيلة هو مجرد "وهم" ، "فقد انتبه باحث حاذق أن التسمية المشتقة من الجد المشترك تخفي تنوعا كبيرا في أصول السكان ، و من تم عبر نفس المؤلف عن تشككه إزاء التفسير الذي يعتمد على عامل السلالة الواحدة ، فاتضح أن الالتجاء إلى الجد الذي ينتمي إليه اسم السلالة هو في الواقع مجرد وهم"[13] . في الواقع الارتكاز إلى اعتبار أن هناك جد مشترك يجمع مكونات القبيلة له بعد رمزي أكثر من أي شي آخر يمكن قوله في هذا الإطار ، لأن هناك مجموعة من المحددات الأساسية التي يجب عدم التغاضي عنها تخفض من أهمية هذا الطرح ، فالحركية الاجتماعية للمجتمع المغربي سواء العسكرية أو الترحالية أو فيما يتعلق بالغزو ...كلها معطيات مادية يمكن لها تؤكد ضعف نظرية وجود جد مشترك ، "هناك ظاهرة يبدو أنها لم تثر انتباه الباحثين الآخرين(...) وهي عملية اختيار الجد ، عندما يتعلق الأمر بقسمة قبلية تتكون من عناصر لا تنتمي إلى نفس الأصل هذه الظاهرة شديدة الانتشار تحدث في ظروف الحرب و الغزو ، أو عندما يغير أناس لسبب أو لآخر انتماءهم على مستوى السلالة أو القسمة القبلية أو القبيلة ، أو على المستوى الجغرافي بالنزوح من منطقة إلى منطقة أخرى ، في كلتا الحالتين يتم دمج المجموعات المغلوبة و الدخيلة في نسب الغزاة أو من يمنحونهم حق اللجوء و الضيافة"[14] بالتالي الحديث عن جد مشترك للقبيلة لا يعدو أن يكون ذا بعد رمزي  يستهدف من خلاله إعلان الفرد انتماءه إلى جماعة معينة أكثر من أي  شي آخر بهدف تكوين عصبية للدفاع أثناء تعرض القبيلة  لأي تهديد خارجي .
      يطرح عبد الله حمودي نموذجا تاريخيا لقبيلة آيت عطا في الفترة الممتدة منذ بداية الحماية ، ذلك  أن هذه القبيلة غزت مناطق و أراضي و أشجار و واحات  متاخمة لها ، و منحت هذه المناطق (المستوطنات) أسماء هي في واقع الأمر أسماء لبرابر ينتمون إلى قبيلة آيت عطا ، بالتالي تم دمج سكان المناطق المغزوة  داخل قبيلة آيت عطا .
     هناك ملاحظة أخرى لجاك بيرك ، و تتأسس هذه الملاحظة على استنتاج جوهري بالنسبة لبيرك ، لقد لاحظ على أن ما يجمع مناطق المغرب الكبير يرتكز في سماه ب"التواترات" بمعنى هناك روابط تجمع قبائل المغرب الكبير تنبني على الأسماء ، بحيث " تتكرر نفس أسماء المجموعات هنا و هناك عبر مجال المغرب الكبير إنه تقاطع جغرافي تبلغ كثافته درجة يصعب معها تشخيص الظاهرة على الخريطة ، فيكفي أن ننزل إلى مستوى العائلات لكي تبرز الأسماء في مواقع غير مرتقبة ، في بعض الحالات تعلل عودة الأسماء محليا بواسطة أحداث تاريخية : التكاثر المطرد ، و التشتت انطلاقا من جذع أصلي و الهجرات..إلخ ، لكن في معظم الأحيان ، يغيب التفسير أو يضيع . إن نسيج المجموعة في المغرب الكبير هو عبارة عن معادلة تشمل عدة عناصر مجهولة ، وهذه العناصر هي الأسماء و كل إسم يحيلنا إلى أسماء مماثلة"[15] ، يمكن أن نفسر هذه الظاهرة حسب بيرك انطلاقا من مجموعة من المدخلات الرئيسية أهمها الحركية الاجتماعية المعقدة التي تميز بها هذا المجتمع طيلة القرون السابقة ، فضلا عن الترحال أو الهجرات سواء بدافع البحث عن الموارد الضرورية للحياة كالماء أو الأكل ....أو بدافع الإخضاع و الغزو .
    لقد اعتبر المنظرون الأوائل للاستعمار أن المجتمع المغربي هو مجتمع قبلي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى يعتمد بالأساس على التقاليد و العادات في تسيير شؤونها الدينية و الاقتصادية و السياسية و حتى العسكرية ، و ما تعترف به الجماعة و ما تقرره اتجاه القضايا المطروحة ، لكن جاك بيرك يرى بأنه لا معنى لهذا الطرح طالما أن المغرب يعرف اختلافات جغرافية ، بحيث أن هذا الاختلاف ينعكس على أداء القبيلة والروابط الاجتماعية التي تجمع بين  أفرادها ، "إذ عثر بيرك على تطابق دقيق بين المستوى الايكولوجي و البنية الاجتماعية بحيث لا يمكن في نظره فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية دونما ردها إلى ما يقابلها على مستوى مورفولوجية الأرض و تبعا لذلك فإن معالمها و محتوياتها ستعرف من التنوع و التمايز بمقدار ما تتغير التضاريس "[16] ، بالتالي لا يمكننا الحديث عن أن القبيلة بمفهومها الواسع - بدون تحديد - هي ما يتميز بها المجتمع المغربي ، في حين أن القبيلة بحد ذاتها تعني مجموعة من المعاني ، في هذا الطرح يلتقي جاك بيرك مع عبد الله العروي الذي يرى على أن " مؤرخي عهد الاستعمار يلد لهم أن يكتبوا أن تاريخ المغرب " تاريخ قبائل" أي فائدة في هذا القول ما دمنا نعلم أن القبيلة تعني أشياء مختلفة جدا؟ نطلق الكلمة على تنظيم الرحل الجمالة ، أي على نظام اجتماعي شامل يلائم وحده المحيط الصحراوي الصرف ، و نطلقها أيضا على سكان الجبال أي على مجموعة قواعد تخص المعيشة و السلطة و تهدف أساسا إلى ضمان التوازن بين الأسر و نطلقها أخيرا على سكان السهول و الهضاب ، أي على تنظيمة أسامي و رموز تصلح فقط لتصنيف التجمعات السكنية ...كلمة واحدة نعبر عنها عن مضامين مختلفة ، كلمة مجردة إذا من أي مضمون محدد ، فكيف نستطيع أن نفسر بها الأحداث ؟"[17].


[1] محاضرة لعبد الغني منديب : مجزوءة "أنثروبولوجيا العالم الإسلامي" الثلاثاء 26-10-2010
[2] Abdelkébir  khatibi : Chemins De travers ,  essais de sociologie . page 33
[3]  محمد الدهان : "جاك بيرك و المغرب" . ص 64 . مجلة علم الاجتماع العدد السابع صيف 2009
[4]  Jacques berque :" structures sociales du haut-atlas" 2éme éd .
[5] عبد الكبير الخطيبي : النقذ المزدوج ص 172
[6] محمد الدهان : مرجع سابق
[7].  عبد الله العروي :" مجمل تاريخ المغرب". ص 27
[8] Rahma bourqia :¨ Les mécanismes d’articulation¨ le maghreb approches des mécanismes d’articulation page 7 .
[9] Mekki bentahar ,et- tibari bouasla : La sociologie Marocaine contemporaine ,bilan et perspectives . page 18
[10] نورالدين الزاهي : المدخل لعلم الاجتماع المغربي . ص 20 .
[11] George nicolas : La sociologie rurale au Maroc pendant les cinquante  derinières années : évolutions des thèmes de recherche .page 539 .
[12] Abdallah laroui : les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830-1912) 3éme édition  . Page : 171
[13].  جاك بيرك : في مدلول القبيلة في شمال إفريقيا .الأنثروبولوجيا و التاريخ حالة المغرب العربي . ص.114
[14].  عبد الله حمودي الانقسامية و التراتب الاجتماعي و السلطة السياسية و القداسة ملاحظات حول أطروحات كلنير ص65
[15].  جاك بيرك : مرجع سابق .  ص117
[16] المختار الهراس : القبيلة و السلطة ، تطور البنيات الاجتماعية في شمال المغرب . ص 34.
[17] عبد الله العروي : مجمل تاريخ المغرب . ص99. 

dimanche 19 février 2012

كيف نفهم طرح مناهضي (مقاوموا) حركة عشرين فبراير ؟؟: مساهمة سوسيولوجية




        تحل الذكرى السنوية الأولى لتأسيس حركة عشرين فبراير ، سنة غيرت كل التوقعات و التكهنات التي كانت تتداول عشية تأسيس الحركة ، وقد كانت الأغلبية سواء أكانوا من الزعماء السياسيين أو النخب أو المناضلين الحقوقيين أو الجمعويين وغيرهم طيلة الإحدى عشر سنة التي مضت تتساءل عن الشكل الذي ستمارس فيه السياسة بعد وفاة الملك الراحل ، وشكل العلاقة الدستورية الجديدة ، أو بالمعنى الأصح نوع التعاقد الدستوري الجديد ، وقد كانت الأسئلة "المكولسة" خاصة للأحزاب تتساءل عن  الطريقة  التي ستؤسس لهذا التعاقد الجديد ؟ و نوع هذا التعاقد ؟ و هل سيكرس لملكية مطلقة ؟ أم أن الأربعين سنة من الارتباك و الاضطراب السياسي و التحكم و السيطرة التي عرفها المغرب في السابق كفيلة للمرور بهدوء إلى نظام ديمقراطي حداثي تتنافس فيه القوى السياسية بنفس القدر من الحظوظ و الفرص ؟؟؟
     لاشك أن السياق الإقليمي (تونس و مصر ، وليبيا فيما بعد) كان له دور كبير في تأسيس حركة عشرين فبراير ، بحيث كانت الظروف السياسية و الاقتصادية و السيكولوجية المحطمة مماثلة تقريبا في هذه المجتمعات  بالرغم من اختلاف طبيعة الأنظمة ، غير أنه على الأقل في الحالة المصرية و التونسية كان الوضع في كلا الحالتين خطيرا بمقابل ارتفاع معدلات الإحباط و التوثر بعد انتشار أنباء التوريث ( في تونس زوجة الرئيس، في مصر إبن مبارك) ، كان إذا لا بد من أن يكون المغرب داخل هذه السيرورة طالما أن  نفس الظروف و نفس الأوضاع تتقاسمها هذه الدول .  لكن ماذا حصل بعد نزول الحركة إلى الشارع ؟
   أول المعطيات التي يمكن استقاءها هو قدرة حركة 20 فبراير على تجاوز كل المؤسسات التي تتوفر على الشرعية لتمثيل المواطنين سواء الأحزاب أو النقابات أو منظمات المجتمع المدني ... ، و ربما كان هناك في السابق انتظار المبادرة بالقيام بالإصلاحات من طرف واحد دون التوقع بأن المبادرة ستأتي من  الطرف غير المتوقع (حركة 20 فبراير) . وقد اعترف "نظريا" بمشروعية مطالب هذه الأخيرة و التي رفعتها في المظاهرات و الاحتجاجات التي كانت مجموعة من المدن و القرى مسرحا لها ، و كما أن بعض هذه  الاحتجاجات تم مراقبتها بأعين رجال الأمن من بعيد،   فإن البعض الآخر منها لم يخلوا من التدخلات العنيفة  لهم فضلا عن التوقيف و الاعتقالات بالرغم من أنها لم تكن اعتقالات واسعة إذ تم حصرها في نطاق ضيق . هذا الاعتراف "النظري" ترجم بطرح دستور كانت معظم الفعاليات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مشاركة فيه ، وقد تجاوزت بعض مواده و فصوله طرح أكبر المؤسسات السياسية في الدولة (بعض الأحزاب السياسية  الكبيرة) ، غير أن هذا الدستور و بحسب حركة عشرين فبراير لم يرقى للمطالب التي تنادي بها ، فما كان منها إلا الاستمرار في النزول إلى الشارع ، وقد كان لهذا القرار معارضة ، و مقاومة ترى بضرورة اختفاء حركة 20 فبراير  لأن ظهورها  و استمرارها غير مرغوب فيه لا مكانيا و لا زمنيا ، فكيف نفسر هذا الطرح ؟
الحــــركة و مـــعـــارضوها .
     لقد كانت هنالك مقاومة تتجه عكس السياسة التي كانت تنهجها حركة عشرين فبراير و هو ما تعرضت له الحركة من تهديد معنوي (تهديد رجل الشاقور مثلا ، الحركات المناهضة لحركة عشرين فبراير...) و تهديد مادي ( رمي المتظاهرين بالبيض و الطماطم و الحجر ...)  هذا فضلا عن التصاريح الرسمية لبعض وجهاء الدين و السياسة كالزمزمي الذي وصف أعضاء الحركة بالمثليين و الماركسيين اللنينيين و الملحدين ...[1]، وهناك تفسيران لهذا أحدهما أيديولوجي ( يدخل في إطار المعرفة العامية) و الآخر سوسيولوجي ، فأما الأيديولوجي فإنه يرى على أن هذه المقاومة تعبير عن جهل و أمية المجتمع و تفكيره "البدائي" الذي يعزز النزعة الاستبدادية و السلطوية فيه و يكرس للهيمنة و السيطرة  و يحطم قواعد المرور للديمقراطية . و أما التحليل السوسيولوجي فيرى على أن هنالك طقوس و ممارسات سياسية في أحيان و دينية في أحيان أخرى تعمل على إقناع و إرضاء و إغراء  المجتمع ، و هذه الآليات يمكن التنظير لها من زاوية العنف الرمزي[2] و هو ما يؤثر آليا على الأنظمة الأساسية كالأسرة و الشارع و المدرسة ، و الأنظمة الثانوية كالإعلام مثلا ، التي تفرض على الإنسان من خلالها ،  التطبع بأنماط سلوكية  و تبني أفكار و آراء معينة ، و تضمن استمرار تشبثهم بهذه الأنماط  التي يؤمنون بها  ، بل تعمل هذه الأنظمة  على تدعيمها و تعبئة الطاقات و الغرائز البشرية للامتثال لها بواسطة تبرير الأوضاع الاجتماعية و السياسية ، كما تعمل أيضا على الدفاع عن هذه الآراء و الأفكار  من كل انتقاد يمكن أن يوجه لها حتى يسلم الأشخاص أن الأنماط السلوكية و المعتقدات المفروضة عليهم هي أنماط طبيعية معقولة و مفيدة و مقدسة و أن الانحراف عنها هو إثم خطير و غير معقول و غير طبيعي ، هذا فضلا على المعاملات اليومية الاجتماعية و السياسية التي يمنح فيها التقدير و الاحترام و التفضيل للأشخاص الذين يمتثلون لهذه الأعراف و التقاليد الاجتماعية . و نتيجة لهذا يتم تقمص الأعراف الاجتماعية و الممارسات السياسية بصفة تلقائية من طرف الأشخاص و يعتبرونها نابعة منهم و يسود الاعتقاد أن هذه الأعراف تترجم أحسن من غيرها حاجياتهم و اختياراتهم و طموحاتهم  و يتم الإحساس بالتوثر كلما وجدوا أنفسهم في حالة تؤدي بهم إلى الخروج عن الأعراف المجتمعية ، و يعمل الشخص الذي يتبنى هذه الأعراف و يتقمصها من صلب إرادته بالدفاع عنها و بتلقينها للآخرين و إقناعهم للامتثال لها[3]. لذلك فالصعوبة التي يعتقد أغلب "الفبرايريين" أنهم يواجهونها أثناء طرحهم لمواقفهم و مطالبهم من خلال أشكال الاحتجاج الذي يمارسونه ليست صعوبات  سياسية فقط بل هي مجتمعية أيضا . و هو ما يؤكد إلحاح الكثير من الأشخاص و الحركات عدم إقحام عبارتي "الشعب يريد.." في خطبهم و احتجاجاتهم ، فحركة عشرين فبراير في نظرهم لا تمثل الشعب ، و هنا نطرح السؤال هل فعلا أن حركة عشرين فبراير لا تمثل الشعب ؟

 حركة عشرين فبراير بين التمثيلية و الرفض ؟
    تطرح بقوة إشكالية تمثيلية الشعب في المظاهرات و الاحتجاجات في المدن كما في البوادي ، بحيث ترفض فئات من المجتمع كما ذكرنا آنفا رفع الشعارات و المطالب باسم الشعب  خاصة من طرف حركة عشرين فبراير ، فكيف يمكن تفسير هذه الحالة ؟ لماذا يتم رفض ذلك ؟ و ما هي شكل هذه الشعارات التي ترفعها حركة عشرين فبراير  باسم الشعب إذن؟ و هل هذه الفئة الرافضة لذلك هي الجهة التي تمثل الشعب حقا ؟ و إذا كانت كذلك ، ما هي المطالب و الشعارات  التي ترفعها هي ؟
    لتفكيك هذه الحالة ، نستعين بالمقاربة التي طرحها الباحث السوسيولوجي آلان تورين الذي يقول بأنه إذا أردنا أن نقارب أي حركة احتجاجية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ثلاث مفاهيم أساسية و هي : الهوية  ، و التعارض ، ثم الشمولية .
- الهوية  : يرى ألان تورين على أن  كل حركة احتجاجية يجب أن تحدد هويتها الذاتية سواء  كانت طبقة أو شريحة  اجتماعية ، فئة عمرية ...
- التعارض: من الضروري أن تكون كل حركة احتجاجية محددة للطرف الذي تعارض  بعض أو كل قراراته ، برامجه  و سياساته.
- الشمولية : و هو الأمر الذي يهمنا هنا ، وهو الذي يعني أن الحركة الاحتجاجية لها مطالب عامة تخص  كافة فئات المجتمع مطالب شمولية ، وهنا تكمن قوة الحركة الاحتجاجية التي تتوفر من خلال هذا المفهوم على إمكانية  تعبئة  المجتمع  بشكل واسع .  
   إذن تبقى شرعية الحركة هنا في تمثيل الشعب رهينة بشعارات و مطالب الفئات و الحركات التي تعارضها , و هنا نطرح السؤال هل من الممكن أن نتحدث عن  مطالب أقوى و أميز من إسقاط الفساد و تعزيز المساواة و الحرية و الكرامة ؟؟ يبدو أن الحالة أعقد من ذلك ، إن الفئات المعارضة لحركة عشرين فبراير ليست في الواقع ضدها ، رغم أنها تقول ذلك و رغم أنها تعترف به و تؤمن به ، وإلا فإنها تصبح ضد المفاهيم السابقة الذكر ،  إن هذه المعادلة السوسيولوجية تكمن في التالي : "إننا مع بشكل مطلق ، ضد ..." لا شك أن الحركات التي تعارض حركة عشرين فبراير  بمختلف الأسماء التي أطلقت على نفسها هي مع "السلطة الشرعية" لا تعارضها بل تؤيدها بشكل مطلق سواء أكانت المنجزات إيجابية أو سلبية صالحة أو غير صالحة ، و سواء كانت الأوضاع الحقوقية أو القضائية جيدة أو سيئة ، فهم في البداية و النهاية لا توجد  لديهم انتقادات موضوعية على السلطة و يعتبرون أنها تقوم بعملها جهد المستطاع ، و تتزايد حدة مناوأتهم لحركة 20 فبراير طالما أن احتجاجهم  عليها لا يواجه بالعنف الذي واجهه في بعض الأحيان  أعضاء حركة 20 فبراير في السابق ، وهنا "تتخندق" و تتموقع هذه الحركات في نفس الصف الذي توجد فيه السلطة ضد "الفبرايريين" بالرغم من أن لا أحد ينكر أهمية و دور المفاهيم الكونية الإنسانية  للمجتمع و التي ترفع في وقفات عشرين فبراير ، و لا تستطيع بدورها الحركات المعارضة لها أن تنكرها أو أن تزيلها ، إن هذه الأخيرة في الواقع و بوضوح تعارض أفراد حركة عشرين فبراير و ليس مطالبها ، وبالنتيجة يستنتج أنه طالما لحركة عشرين فبراير مطالب واضحة و موضوعية تشمل قضايا المواطنين فإن لها الحق في تمثيلهم . و طالما لا يفهم مناوئوها و معارضوها طبيعة و قيمة هذه القضايا  و المطالب ، و غلبة النزعة العاطفية عليهم يبقى مجال تمثيليتهم ضعيفا .


[1] انظر المجلة المغربية  Actuel لعدد 112 ليوم من 15 إلى 21 أكتوبر 2011 .
[2] عبد الله حمودي : الرهان الثقافي وهم القطيعة ص 306  (و للمزيد انظر كتاب عبد الله حمودي  "الشيخ و المريد") .
[3] محمد شقرون : محاضرات في علم الاجتماع كلية الآداب و العلوم الإنسانية الرباط 2011 .

mardi 14 février 2012

الفيزازي وجها لوجه أمام عصيد


الفيزازي  : المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت قدمي  .
عصيد    : المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة ل300 سنة من التجربة و الاقتتال الإنساني .


         لقد وجد الحوار الهادئ و العقلاني مكانه في المناظرة التي عمل معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة على تنظيمها بين الشيخ الفيزازي و أحمد عصيد يوم 13 فبراير 2012 على الساعة الثامنة مساءا ، وقد كان تأثير عنوانها كافيا (مشروع الإصلاح المجتمعي بين الإسلام و العلمانية) لتغص كل جوانب أحد أكبر مدرجات المعهد بمئات الطلبة.
       وقد أكد الفيزازي (الذي يمثل الجانب الإسلامي) على أن العلمانية لم تكتفي بمهاجمة الدين بل حصرته من خلال التعبد و الممارسة الروحية فقط ، في حين أنه يدعوا إلى استعمال العقل و الاهتمام بالعلم فضلا على أنه يضمن للإنسان الحرية و المساواة و لا يشكل أي تهديد له ،و أضاف على أنه مع محاربة الفساد و الاستبداد و لكن انطلاقا من خلفية إسلامية .  و في رده على التحولات الآنية التي يعرفها العالم العربي ، قال الفيزازي بأن هذا الزمن هو زمن الإسلام الذي أدى إلى بروز واضح و كبير للحركات الإسلامية لم يستثنى فيها المغرب ، و ذلك من خلال تصدر حزب العدالة و التنمية الانتخابات التشريعية الأخيرة ، غير أنه رأى بأن هذا الحزب ليس هو  الإسلام كله ، وقد تمنى مجيء حركات إسلامية تطبق "شرع الله" أكثر حسب تعبيره ، بحيث اعتبر على أن المغرب لا يفرض الدين الإسلامي إذ أن  الدولة عاجزة عن تطبيق بعض مبادئ الإسلام (كالإعدام ، و قطع الأيدي ...) و تطبيق حق الردة حسب القانون الإسلامي وذلك لأسباب موضوعية . و قد تساءل عن الحقوق و مساحة الحريات  التي تضمن للبيراليين و الاشتراكيين و العلمانيين و السحرة في المغرب  بخلاف ما يضمن للإسلاميين الذين يتم التضييق عليهم  و يطلب منهم مراجعة أفكارهم و آرائهم؟ و أضاف على أن كل قانون لحقوق الإنسان (أشار إلى المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لا يعترف به إذا كان يتجاوز العقيدة و المبادئ الإسلامية  التي أنزلها الله و التي يجب أن تسموا على كل القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان .

       و من جهته اعتبر أحمد عصيد (ممثل الجانب العلماني) أن سبب تخلف المسلمين ليس في تخليهم عن دينهم ، بل عن تخليهم عن استخدام العقل وتعطيله في القرن الرابع  وهو إيذان بانحطاط الأمة  ، فالإسلام شامل لأنه مرتبط بالمجتمع البسيط و القليل التعقيد الذي ظهر فيه ، مضيفا على أنه لم يكن هناك تجديد فيه و اجتهاد مستمر يواكب التطور الإنساني الذي يتغير باستمرار ، و يتحمل مسؤولية ذلك الفقهاء الذين  فرضوا ثوابت و ضوابط على العقل حالت دون تجديدهم للدين . و أشار عصيد إلى أن العلمانية هي الإطار الوحيد الذي لا توجد فيه اقتتال داخل المجتمع و التي تضمن ثلاث ثوابت إنسانية علمية و سياسية و اجتماعية ، فأما علميا فالعلمانية تفرض على السلطة ضمان الاستقلالية للعقل ، و أما سياسيا فالدولة ملتزمة بالوقوف بنفس المسافة من كل الأديان و أما اجتماعيا فالعلمانية تضمن الاحترام و الإخائية داخل المجتمع لذلك يعتبر عصيد أن المغرب بحاجة إلى منع الهيمنة و الاستبداد باسم الدين من خلال ترسيخ العلمانية التي يجب أن تطبق وفق التقاليد المغربية مع عدم التعارض معها . فبالرغم من الهجمات المتكررة للإسلاميين على العلمانيين و المضايقة عليهم حسب عصيد فإن العلمانيين يدافعون عنهم و يساندونهم أثناء الاعتقالات التي تصدر ضدهم . و أشار إلى أن بعض القوانين الإسلامية مثل الرجم و الجلد و قطع الأطراف لم تعد مقبولة اليوم في ظل تطور الحضارة الإنسانية فضلا على أنها قوانين مرفوضة من بعض فقهاء الإسلام و هو الأمر الذي يثير التساؤل حول تماسك الفتاوى الدينية و توحدها.